لماذا أمرت أمريكا بتصفية رئيس إيران؟ وكيف تم إسقاط الطائرة بدون تفجيرها؟ وما علاقة السيسي بالموضوع؟
يكاد المريب يقول خذوني. إسرائيل أصدرت بيانًا فور الإعلان عن مصرع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي تنفي خلاله مسؤوليتها عن الحادث.
أما محمد جواد ظريف، مهندس الاتفاق الأمريكي الإيراني ووزير الخارجية الإيراني الأسبق، فقال إن أمريكا هي التي قتلت الرئيس الإيراني.
لماذا تذهب أمريكا إلى فكرة اغتيال رئيسي على الرغم من العلاقات السرية والعلنية الحسنة بين البلدين؟ وكيف؟
ما هو السلاح الجديد الذي يمكنه إسقاط طائرة بدون تفجيرها؟
هل لعب التقارب المصري الإيراني في زمن إبراهيم رئيسي دورًا في إنهاء حياة الرئيس الإيراني؟
وهل يمكن أن يكون مقتل رئيسي نتيجة صراع داخلي على السلطة في ظل تقدم سن المرشد الأعلى (85 عامًا) ودخوله المستشفى أكثر من مرة وخلاف حول من يخلفه؟
وما هو رد فعل إيران المتوقع؟
هل تعتقد أن أمريكا تريد مرشدًا أعلى لإيران أو حتى رئيس جمهورية يحل مشاكل إيران أو يحسن علاقاتها بالجوار العربي والإسلامي؟ الإجابة قطعًا هي لا.
وهذا ليس كلامي، بل هو خلاصة العلاقة بين الولايات المتحدة والثورة الإسلامية الإيرانية منذ نصف قرن.
دور إيران الوظيفي هو نشر الفوضى في المنطقة، وأن تكون فزاعة تستدعي دولًا مثل الخليج العربي لتذهب وتقوم بالسلام الإبراهيمي مع إسرائيل وتوقع معاهدات عسكرية مع أمريكا، وتملأ شبه جزيرة العرب بالقواعد العسكرية الأمريكية، وتستمر في شراء الأسلحة بالمليارات!
الغرب يعرف جيدًا أن إيران إذا خرجت عن النص ووضعت يدها في تحالف مع العرب أو مصر أو تركيا، فستظهر إمبراطورية عظمى جديدة في الشرق.
الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي هو مهندس التقارب المصري الإيراني الأخير، ورأينا أول لقاء من نوعه بينه وبين الرئيس السيسي في الرياض.
وأيضًا، كان رئيسي هو مهندس الوفاق الصيني بين السعودية وإيران. هو أول رئيس إيراني يزور السعودية في قمة الرياض في نوفمبر الماضي منذ عشر سنوات على الأقل، وأول رئيس إيراني يقابل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
هذا جعل بعض الأسماء داخل إيران تطرح اسمه كمرشد أعلى مقبل يعيد هندسة علاقات إيران في المنطقة.
حاليًا، تشهد إيران صراعًا داخليًا بين جناحين داخل مكتب الإرشاد: جناح يريد إبراهيم رئيسي، وجناح آخر يريد مجتبى خامنئي، نجل المرشد الحالي.
مجتبى خامنئي رمى ثقله خلف شبكات مصالح الحرس الثوري الإيراني، الذي أصبح الحزب الحاكم الحقيقي في إيران، وكلامه مسموع على الجيش وعلى مكتب الإرشاد وبقية مؤسسات النظام الإيراني المعقدة.
إبراهيم رئيسي صحيح من تيار المحافظين، لكنه كان يحاول إصلاح العلاقات بين إيران من جهة والعرب وتركيا من جهة أخرى. وهذا ليس فقط غير مطلوب أمريكيًا بل محظور وخط أحمر.
مطلوب شخص مثل المرشد الحالي ومثل الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد، الذي تآمرت إيران في عصره على المنطقة كلها فيما يعرف بالربيع العربي بمشاركة أمريكا. إيران حصلت على الثمن في سوريا والعراق واليمن ولبنان، وأمريكا حصلت على أضعاف مضاعفة بنشر الفوضى الخلاقة ونموذج اللادولة، وشراء الثروات البشرية والطبيعية للدول العربية بثمن بخس في أسواق النخاسة والسوق السوداء للنفط والغاز في بلاد الربيع العربي.
من الآخر، إبراهيم رئيسي يميني ومحافظ صحيح، لكنه لن يسير على الكتالوج الأمريكي الذي وضعته واشنطن للثورة الإسلامية الإيرانية، بأن تكون إيران عامل توتر وفوضى في المنطقة، لكي تدخل أمريكا وابنها المدلل إسرائيل وسط المشاكل وتجمع المصالح والمكاسب وتلقي لإيران الفتات.
إيران تعاني من أزمة اقتصادية رهيبة وشح في المياه، لكن يحكمها جوقة من الملالي يعتقدون أنهم في مهمة مقدسة ضد أمريكا، ونسوا أن رعاية الرعية، مسلمين وغير مسلمين، أولى وأهم.
هذه ليست أول مرة تفعلها أمريكا مع الجماعات الإسلامية عمومًا. بمجرد أن يظهر قيادي معتدل أو يتجاوز الخطوط الحمراء أو ينحرف عن الكتالوج الأمريكي للجماعات الإسلامية، يتم اعتباره كارتًا محروقًا ويتم التخلص منه.
لم يتخلصوا من إبراهيم رئيسي كرئيس إيراني، بل كمرشد مستقبلي، وحصروا المنافسة على مجتبى خامنئي المتشدد أكثر من والده. هو مجرد دمية في يد جنرالات الحرس الثوري الإيراني، يعني عمليًا إيران ستتحول من دولة دينية إلى دولة عسكرية، يعني حكم عسكري تحت عباءة الملالي، وهذا سيعقد المنطقة أكثر وينشر الفوضى بشكل أكبر، وهذا كله لصالح الأجندة الأمريكية في المنطقة.
هكذا تفعل أمريكا منذ الخمسينيات، تصعّد الشخصيات المتشددة داخل التنظيمات الإسلامية، أو الشخصيات التي تعمل وتخدم الأجندة الأمريكية، سواء بعلم الشخصيات وتواطؤها أو بدون علمها.
كم مرة تدخلت أمريكا وقامت بتصفية قيادات في القاعدة وداعش والصومال للغرض ذاته. اعلم أن أي قيادة إسلاموية قامت أمريكا بتصفيتها، يكون السبب أمرين لا ثالث لهما: إما كارت محروق، أو تخطى الدور المطلوب منه. وبهذا يتم إفساح المجال لشخصيات أخرى ستقوم بالدور الأمريكي المطلوب.
التنفيذ لم يكن أمريكيًا. أمريكا، للمفارقة، ليس لها نفوذ في هذه المنطقة. نحن نتحدث عن القوقاز، عن أذربيجان وأرمينيا وجورجيا. وللمفارقة، فإن لإسرائيل نفوذًا في هذه المنطقة أكبر من أمريكا والغرب كله. لماذا؟
لأن إسرائيل تواصلت منذ الأربعينات مع الجاليات اليهودية في القوقاز وإيران، ورتبت شبكة قوية من المصالح. يكفي أن أقول لك إن روسيا عندما احتلت جورجيا سنة 2008 وجدت في تبليسي، عاصمة جورجيا، قاعدة عسكرية إسرائيلية سرية تتجسس على إيران من هذه المنطقة. وقامت روسيا بتسليم المعدات الإسرائيلية في جورجيا إلى إيران في سنة 2008.
كما أن المنطقة التي سقطت فيها الطائرة تقع على الحدود مع أذربيجان، وهي منطقة نزاع مسلح وتمردات، أي أنها خارج السيطرة الكاملة لإيران.
وقصة الطقس غير مقنعة لأن الموكب كان يتضمن ثلاث طائرات، والطائرتين الأخريين كانتا في نفس خط السير ونفس التوقيت ووصلتا دون مشاكل!
وأيضًا، غير مقتنع بأنه عطل فني، لأن طائرة الرئيس تخضع لإجراءات سلامة وصيانة دقيقة جدًا ومراجعات دقيقة.
لذا، احتمالات إسقاط الطائرة بشكل مدبر في هذه المنطقة وتحت هذه الظروف أعلى بكثير، خصوصًا إذا علمنا أن هناك الآن ما يسمى بأسلحة الطاقة الموجهة أو النبضة الكهرومغناطيسية، التي تعمل على تعطيل الأنظمة الإلكترونية للطائرة عن بعد في نطاق معين إن لم تكن الطائرة مجهزة لمقاومة هذا النوع من الاعتداء.
وفقًا للملابسات والظروف التي تحدثنا عنها، من السهل جدًا بالتنسيق بين أمريكا وإسرائيل وأذربيجان إدخال وحدة من هذا السلاح إلى هذه المنطقة لاستهداف طائرة الرئيس.
بل إن زيارة رئيسي نفسها إلى أذربيجان قد تكون استدراجًا بتخطيط مسبق من أجل هذه العملية، وقد تكون بالتنسيق مع عملاء داخل النظام الإيراني نفسه.
وبالتالي نعود لكلامنا أن التنفيذ إسرائيلي ولكن الضوء الأخضر أمريكي 100%. إسرائيل وجدت في هذه فرصة سانحة لتوجيه رسالة إلى طهران أنه في نهاية المطاف، مهما حاولت إيران كسب ود الغرب أو إثبات أنها الأكثر قدرة على تنفيذ أجندة أمريكا والغرب بدلًا من إسرائيل، ففي النهاية، يعتبر الغرب إسرائيل هو الابن المدلل الذي من المستحيل أن يستغني عنه.
الغرب يمكن أن يستخدم إيران ويعصر تركيا حتى آخر قطرة، يمكن أن يعمل قليلاً لصالح أموال الخليج أو ينحني أمام الإرادة المصرية عندما تنتصر في معركة تاريخية مثل ثورة 30 يونيو أو الحسم المصري للصراع العربي التركي في شرق المتوسط وليبيا، ولكن أن تعتقد أنك أصبحت أهم من إسرائيل في حسابات الغرب أو تعتقد أنك أصبحت في مأمن من مؤامرات الغرب، فهذا سذاجة.
روسيا أعلنت أنها ستقود تحقيقًا دوليًا، ولكن أذكرك أن روسيا فعلت نفس الشيء عندما فجرت أمريكا نورد ستريم ولم تقم بأي رد يذكر. وبالتالي، محور الممانعة الإيراني وحلفاؤهم في روسيا والصين سيبلعون الرسالة الأمريكية، ولن يكون هناك أي رد إيراني أو غير إيراني على العملية الأمريكية الإسرائيلية لتصفية إبراهيم رئيسي.
أما داخل إيران، فالحرس الثوري سيستغل الفرصة وسيفرض مرشحه لخلافة المرشد الأعلى الحالي، وستتحول الدولة الدينية إلى حكم عسكري مباشر.
الرئيس الإيراني المؤقت، محمد مخبر، الذي يُطلق عليه مصطلح قيصر الاقتصاد، كان يدير الإمبراطورية الاقتصادية لمكتب المرشد الأعلى للثورة الإسلامية. هذه المؤسسات الاقتصادية في عموم إيران لا تخضع لرقابة أو حساب، وكل أموالها غير معروفة للشعب وتذهب في مغامرات إيران في طوفان الأقصى والسيطرة على العراق ولبنان وسوريا واليمن ومحاولات زعزعة الاستقرار في البحرين والكويت والسودان وليبيا، بينما الشعب الإيراني غارق في الأزمة الاقتصادية العالمية.الدولار الأمريكي يساوي 42 ألف ريال إيراني.