يعتبر الفنان محمد طه، واسمه الكامل “محمد طه مصطفى أبو دوح”، من أبرز رموز الفن الشعبي في مصر. وُلِد محمد طه في 24 سبتمبر 1922 في بلد أبيه “طهطا” بصعيد مصر، ونشأ في بلدة أمه “عزبة عطا الله سليمان” بقرية “سندبيس” التابعة لمركز “قليوب”. انطلق في عالم الفن ليصبح أيقونة للغناء الشعبي، حيث جمع بين موهبة التأليف والتلحين والأداء، ليصبح صاحب العشرة آلاف موال كما ذكر ابنه في مقابلة تلفزيونية.
مشواره الفني
بدأ محمد طه مسيرته الفنية في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات، حيث كان يغني في مقاهي حي “الحسين” و”السيدة زينب” بالقاهرة، ويشارك في الاحتفالات بالموالد والمناسبات الدينية. تميز بصوته القوي وأدائه التلقائي الذي يجذب المستمعين، مما جعله يحظى بشعبية كبيرة بين رواد المقاهي ومتابعي الفن الشعبي.
اكتشافه وانتشاره
في سنة 1954، كان لمحمد طه موعد مع الشهرة حينما استمع إليه الإذاعيان الكبيران “طاهر أبو زيد” و”إيهاب الأزهري” وهو يغني في مقهى “المعلم علي الأعرج” بالحسين. أُعجبا بموهبته الفذة واصطحباه إلى الإذاعة حيث قاما بتسجيل عدد من مواويله. هذه الخطوة كانت بداية لانتشاره الواسع حيث بدأت مواويله تُبث عبر أثير الإذاعة، مما أكسبه قاعدة جماهيرية واسعة.
التعاون مع وزارة الثقافة
بعد اكتشاف موهبته، ضمه “زكريا الحجاوي” إلى “فرقة الفلاحين للفنون الشعبية” التي كلفته “وزارة الثقافة” بتشكيلها. كانت هذه الفرقة بمثابة منصة لنشر الفن الشعبي المصري على نطاق أوسع، وقد لعب محمد طه دورًا بارزًا في نجاحها.
إحياء حفلات أضواء المدينة
لم يتوقف طه عند الإذاعة فقط، بل امتد تأثيره ليصل إلى حفلات “أضواء المدينة” الشهيرة. ضمه الإذاعي “جلال معوض” لإحياء حفل في غزة، حيث قدّم أداءً رائعًا أمام جمهور متحمس. كما غنى في الاحتفال بعيد الثورة أمام جمهور يتقدمه جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وكمال الدين حسين وغيرهم من القادة، مما يعكس مكانته الكبيرة في المجتمع المصري.
الفرقة الذهبية للفنون الشعبية
أسس محمد طه فرقته الموسيقية الخاصة “الفرقة الذهبية للفنون الشعبية”، التي كانت تضم أخاه “شعبان طه” الذي يشبهه تماماً، إضافة إلى عازفين للناي والأرغول والكمان والعود والطبلة. ظلت هذه الفرقة تلازمه في كل حفلاته وأسفاره، وحتى في الأفلام التي شارك فيها، لتصبح جزءاً لا يتجزأ من هويته الفنية.
شركة “ابن البلد” للاسطوانات
لم يقتصر إبداع محمد طه على الغناء فقط، بل توسع ليؤسس شركة لطباعة اسطواناته سماها “شركة ابن البلد”. كانت هذه الخطوة جزءاً من جهوده للحفاظ على التراث الفني الشعبي وتوثيقه، مما ساهم في انتشار مواويله وأغانيه في مختلف أنحاء مصر والوطن العربي.
إرث محمد طه
توفي محمد طه في 12 نوفمبر 1996، لكنه ترك وراءه إرثاً فنياً عظيماً. يُعتبر محمد طه مثالاً للفنان الشعبي الأصيل الذي جسد بموهبته وحضوره القوي روح مصر الشعبية. تُعد مواويله وأغانيه جزءاً من الذاكرة الجماعية للمصريين، حيث نقل عبرها آلامهم وآمالهم وأفراحهم وأحزانهم.
الخلاصة
محمد طه، بأسلوبه الفريد وشخصيته التلقائية، نجح في أن يكون سفيرًا للفن الشعبي المصري. إن إرثه الفني لا يزال حيًا في قلوب محبيه، وجيل بعد جيل يستمر في تقدير وتكريم هذا الفنان الذي حمل بفنه تراث مصر الشعبي إلى آفاق جديدة. إن محمد طه ليس مجرد فنان شعبي، بل هو رمز للهوية المصرية الأصيلة، وصوت من أصوات الشعب الذي يعبر عن أحلامه وطموحاته بصدق وأمانة.