أكتب فى ذكراه (الثانية) مشتاقًا إلى صحبته، مغلفة بمحبته، ومحتوى حكمته، كان من الحكائين الحكماء، إذا سألتَه رأيًا يقص عليك من أحسن القصص.
الكتابة عن الأحباب (أحياء، أموات) واجب مستوجب، والكتابة عن أعز الناس فرض عين على المحبين، وإن رحلوا.. لا تزال قلوبنا عامرة بمحبتهم.
فى زمن صعيب، مياهه عكرة، ونفوسه محتقنة، وشخوصه ملتبسة، أتذكر طيب الذكر، الأستاذ الكبير «صلاح منتصر»، الله يرحمه، كان عنوانًا من عناوين المحبة الحقة، حالة إنسانية فريدة، رقيًّا إنسانيًّا نادرًا.
محظوظ وثلة من الأحباب أن عشنا زمن الكبار، وتربينا على قيم الحب والعدل والجمال، شيوخنا الأجلاء كانت لهم عيون جميلة ترى الكون جميلًا.
طيب الذكر قضى سنوات عمره مقتفيًا صور الجمال فى نفوس البشر ووجوههم الطيبة، ومعلوم أن الكتابة الجميلة من حنايا الروح الطيبة، وشيخنا الباسم كان يملك قلبًا كبيرًا تتسع حجراته للجميع.
لكل مُحِبّ موضع فى قلبه، فقط ونصيبك من حجراته يمينًا أو يسارًا، وكان يوزع محبته على الجميع كالبنبون حلو المذاق، لكلٍّ نصيب، كانت خيمته الروحية مثل خيمة «حاتم الطائى»، كرمًا، محبة، تسعنا جميعًا.
أكتب فى الحياة الدنيا مُحِبًّا لمَن كان (فى حياته) يحمل الحب للناس جميعًا، لم أرَه، الله يرحمه، إلا باشًّا باسمًا فى وجه الحياة، يعالج قسوتها بضحكة بشوش، كان يهون علينا الصعب، وكل عقدة عنده لها حلال، بتؤدة وعلى مهل وبثقة فى الله يتوفر على أعقد المشاكل، يحللها ويفككها، يسكب عليها بعض ماء من روحه الشفافة، تنساب خريرًا من نهر سائغ شرابه.
افتقاد، هذه حالتنا معشر المحبين، نفتقد «العم صلاح»، نفتقد شيخ العمود الصحفى، كان يجلس وسط المحبين فيغمرهم من فضله، يترعهم محبة، فإذا ما أترعت نفوسهم، تركهم ينثرون عبق المحبة فى حلهم وترحالهم.
مثل وصايا حكيم من حكماء الفراعين، لا تزال وصاياه تتردد فى تلافيف ذاكرتى، كن أنت ولا تكن غيرك، اكتب مُحِبًّا، املأ قلمك من محبرة قلمك.. واكتب جملًا جميلة، الكتابة الحلوة نعمة من الله.
طيب الذكر، كان طيبًا من الطيبة، رائقًا لا تعكر صفوه زوبعة، كلماته تحمل عبق زمن الطيبة والإيثار، ولا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو فضل، وشيخنا صاحب فضل على كثير من الأحباب.
الكتابة عن العم صلاح منتصر فى غيبته ليست مرتهنة بذكراه الثانية، (تُوفى 15 مايو 2022)، فحسب محبة فى شيخ جليل، أعطى الكثير دون أن يطلب حتى القليل، عاش قنوعًا ورحل راضيًا مرضيًّا.
الكتابة هذه الأيام خشنة، عطشى للكتابة الناعمة، كتابته كانت ناعمة كالقطيفة، كتابة تُنعشك لا تُوترك ولا تُقلقك ولا تقضّ مضجعك، حتى عنوان عموده اليومى «مجرد رأى»، لا يفرضه عليك، عنوان راقٍ، يصوغه فى أدب واحتشام، وبين سطوره ثمة روح طيبة تسرى فى أعطاف الكتابة.
جد وحشتنا يا عم صلاح، وحشتنا كلماتك الطيبة مع قهوة الصباح، وحكاياتك فى جمع «الفرسان الكرام»، الله يرحمك أستاذنا الجليل، حتى ساعته أبحث عنك على الصفحة الأخيرة من «الأهرام»، وعندما لا أجدك أترحم عليك، ألف رحمة ونور.