د. رامي عطا صديق يكتب : وداعًا الحكيم الأنبا باخوميوس

في صباح اليوم الأحد ، رحل عن عالمنا نيافة الحبر الجليل الأنبا باخوميوس (17 ديسمبر 1935- 30 مارس 2025م)، شيخ مطارنة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، مطران البحيرة ومطروح والخمس مدن الغربية ورئيس دير القديس مكاريوس السكندري بجبل القلالي، بعد صراع مع المرض، عن عمر يناهز نحو “90” عامًا، قضاها في أعمال الخير والمحبة والرحمة وخدمة الناس، إذ أنه آمن بخدمة الإنسان، كل الإنسان، وأي إنسان، في مختلف الأبعاد والمجالات، دون تفرقة ودون تمييز بين هذا وذاك.

كان الأنبا باخوميوس، واسمه المدني قبل الرهبنة “سمير خير سكر”، قد حصل على بكالوريوس التجارة من جامعة عين شمس، ثم درس في الكلية الإكليريكية ومعهد الدراسات القبطية، وقد شارك منذ صغره في خدمة مدارس الأحد “التربية الكنسية”، التي تهتم بتنشئة الأطفال والنشء الصغير روحيًا ونفسيًا واجتماعيًا وثقافيًا..، وهي نشاط كنسي تعود نشأتها في التاريخ الحديث والمعاصر إلى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين بواسطة عدد من المُهتمين تقدمهم آنذاك الأرشيدياكون حبيب جرجس (1876-1951م).

كما شارك الأنبا باخوميوس “سمير خير” مع القمص أنجيلوس المحرقي (الراحل نيافة الأنبا مكسيموس مطران القليوبية ومركز قويسنا، 1911-1992م) في رعاية المواطنين الأقباط المقيمين في دولة الكويت، بتكليف من قداسة البابا كيرلس السادس (1959-1971م)، البابا/ البطريرك الـ “116” من باباوات/ بطاركة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ثم ترهب عام 1962م في دير السيدة العذراء بوادي النطرون المعروف باسم دير السريان، وحمل اسم الراهب أنطونيوس السرياني، وفي 12 ديسمبر 1971م رسمه قداسة البابا شنوده الثالث أسقفًا للبحيرة وتوابعها، ووصلت خدمته إلى ليبيا، وكانت رسامته مع الراحل نيافة الأنبا يوأنس أسقف الغربية (1923-1987م)، هي باكورة رسامات البابا شنوده الثالث.

اتسم الأنبا باخوميوس بالكثير من الصفات الطيبة والفضائل الحميدة والخصال الجيدة، منها المحبة والبساطة والتواضع والكرم مع الكثير من الحزم والجرأة والشجاعة، والاهتمام بالعمل الذي لا ينقطع، حيث اهتم ببناء النفوس إلى جانب التعمير والبناء، ولنيافته الكثير من الكتابات التي ركز فيها على موضوعات الخدمة والرعاية والإدارة.

كما تميز بالهدوء والرصانة والحكمة في إدارته لكثير من المواقف والأحداث، التي مر بها الوطن ومرت بها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ومن ذلك أنه كان عضوًا في اللجنة الخماسية، التي تشكلت عقب أحداث وقرارات سبتمبر 1981م، حيث انضم لعضوية اللجنة بعد استشهاد نيافة الأنبا صموئيل- أسقف الخدمات العامة والاجتماعية وعضو اللجنة- في حادث المنصة الشهير الذي وقع في 6 أكتوبر 1981م، وشهد اغتيال الرئيس محمد أنور السادات، فكان الأنبا باخوميوس عضوًا نشيطًا في سبيل تحقيق السلام وإشاعة الهدوء والاستقرار داخل الكنيسة والوطن، خاصة وأنه ارتبط بعلاقات جيدة وصلات طيبة مع مسئولي الدولة آنذاك.

كما تولى نيافة الأنبا باخوميوس موقع “قائم مقام” البابا/ البطريرك، بعد رحيل قداسة البابا شنوده الثالث، البابا الـ “117”، في 17 مارس 2012م، وخلال ثمانية أشهر هي الفترة من رحيل البابا شنوده وحتى شهر نوفمبر من نفس العام، عبرت الكنيسة معه هذه الفترة بهدوء وسلام وطمأنينة وأمان، إلى أن تم تجليس قداسة البابا تواضروس الثاني، البابا الـ “118”، على كرسي مار مرقس الرسول، متعه الله بالصحة والعافية، ومن المعروف أن البابا شنوده قد رسم الأنبا تواضروس أسقفًا عامًا ليساعد نيافة الأنبا باخوميوس في إيبارشية البحيرة وتوابعها في 15 يونيو 1997م، وبسبب حكمة الأنبا باخوميوس وإدارته الرشيدة والحكيمة لتلك الفترة فإنه استحق أن يفوز بلقب “البابا/ البطريرك الذي بلا رقم”، وبسبب حكمته أيضًا فإنه تمتع بمحبة كبيرة في قلوب المصريين، وصارت له مكانة كبيرة يحظى بها بين الجميع، فلم يعرف لغة المعارك والمشكلات والصراعات وإنما لغة المحبة والسلام والاستقرار.

وعلى الرغم من الحزن الذي نشعر به، والضيق الذي يسيطر على صدورنا، والألم الذي يعتصر قلوبنا، مع رحيل أحد الأحباء الفضلاء والمُخلصين الأمناء، فإنه كثيرًا ما يتردد في داخلي هذا الصوت الذي يقول “من حقه أن يفرح، ومن حقه أن يستريح”، مع انتقال أحد الذين قدموا الكثير، وأعطوا كل ما عندهم، وبذلوا ذاتهم، وأفنوا حياتهم في خدمة الآخرين، في محبة صادقة وحقيقية لا غش فيها، من خلال الاهتمام برعايتهم وخدمتهم وتثقيفهم وتنويرهم.

والحق أن نيافة الأنبا باخوميوس قد قدم وأعطى وخدم وبذل الكثير من أجل الكنيسة والوطن والإنسانية كلها.

عزاءً من القلب للوطن مصر، ولقداسة البابا تواضروس الثاني، وآباء الكنيسة، ولكل مُحبيه نيافة الحبر الجليل الأنبا باخوميوس من عارفي فضله وأعماله.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى