يحفل شهر مايو بمناسبتين مُهمتين ترتبطان معًا وتجمعهما قواسم ومساحات مشتركة.. المناسبة الأولى تحل فى 16 مايو، وهى خاصة باليوم الدولي/ العالمى للعيش معًا بسلام، والغرض من هذه المناسبة وهذا التذكار هو تنشيط العمل على تعزيز معانى التسامح والتضامن والتفاهم، وترسيخ قيم التصالح والاندماج والتكافل والتكامل، ومن ثم احترام الاختلاف وتجاوز أى خلاف، من أجل بناء عالم ينعم بالتضامن والوئام، بما يضمن تحقيق السلام والتنمية المستدامة، وقد تقرر الاحتفال بهذا اليوم فى الدورة الثانية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة فى 8 ديسمبر 2017م، حيث تم استلهامه من تجربة ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ومكافحة الإرهاب فى دولة الجزائر. أما المناسبة الثانية فهى تحل فى 21 مايو، وهى خاصة باليوم الدولي/ العالمى للتنوع الثقافى من أجل الحوار والتنمية، وقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذه المناسبة فى نوفمبر 2001م، كفرصة لمساعدة المجتمعات على فهم قيم التنوع الثقافى وكيفية التعايش السلمى، وقد أنشئ هذا اليوم بسبب قيام حركة طالبان بتدميرتمثالى «بوذا باميان» فى وسط أفغانستان عام 2001م، ويعود تاريخ بنائهما إلى القرن السادس الميلادى، وقد اُعتبر موقع التمثالين أحد مواقع اليونسكو للتراث العالمى منذ عام 2003م. تؤكد المادة الأولى من الإعلان العالمى بشأن التنوع الثقافى (2001م)، ان التنوع الثقافى ضرورة حياتية وبوصفه تراثًا مشتركًا للإنسانية، ونصها «تتخذ الثقافة أشكالًا متنوعة عبر المكان والزمان. ويتجلى هذا التنوع فى أصالة وتعدد الهويات المميزة للمجموعات والمجتمعات التى تتألف منها الإنسانية. والتنوع الثقافى، بوصفه مصدرًا للتبادل والتجديد والإبداع، هو ضرورى للجنس البشرى كضرورة التنوع البيولوجى بالنسبة للكائنات الحية. وبهذا المعنى يكون التنوع الثقافى هو التراث المشترك للإنسانية، وينبغى الاعتراف به والتأكيد عليه لصالح الأجيال الحالية والقادمة. والتنوع الثقافى يعنى الحالة الطبيعية التى خلقنا عليها الله سبحانه وتعالى، وهو بذلك يرتبط بالثراء وغنى المجتمعات، ويؤكد دور الحوار بين أتباع الثقافات والحضارات فى تحقيق التعايش السلمى، الذى يعنى قدرة البشر على العيش معًا فى منطقة جغرافية واحدة على الرغم مما قد يوجد بينهم من اختلافات فى ثقافاتهم الفرعية. وهنا يأتى دور التعددية الثقافية التى تعنى الاعتراف السياسى بهذا التنوع فى المجال العام، باعتبار أن التعددية الثقافية هى الرد السياسى على واقع التنوع الثقافى، ما يقودنا إلى الاعتراف بأن المجتمع الواحد قد توجد به ثقافة واحدة وعدة ثقافات/ هويات فرعية، تتجاور وتتواصل، تتحاور وتتداخل، وتبرز أهمية الاعتراف بالتنوع الثقافى إذا عرفنا أن كثيرًا من الصراعات المحلية/ الإقليمية/ الدولية حول العالم تعود إلى أسباب ثقافية. هنا دور مهم يقع على عاتق مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية، المسئولة عن تشكيل منظومة القيم، من أجل رفع الوعى بقيمة التنوع الثقافى وأهمية العيش معًا فى سلام، فهو دور الأسرة والمؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية والفنية والإعلامية والتشريعية بالإضافة إلى دور منظمات المجتمع المدني. ما يعنى أهمية تضمين تلك القيم فى الخطاب الأسرى والتعليمى والثقافى والفنى والإعلامى والمدنى، والقانونى أيضًا، فى الخطاب الدينى، والمناهج والأنشطة الدراسية، والمضامين الصحفية والإعلامية، والأغنيات والمسلسلات التليفزيونية والأفلام السينمائية والأعمال المسرحية والإبداعات الأدبية من أشعار وأزجال وقصص وروايات، وأنشطة وفعاليات المجتمع المدنى، إلى جانب تشريع وسن القوانين المناهضة للتمييز والكراهية والتنمر. من أجل تأكيد ضرورة احترام الآخرين المختلفين عنا فى الدين- المذهب الدينى- النوع الاجتماعى- لون البشرة- الانتماء الفكرى والأيديولوجى، وأى هويات أخرى فرعية، وما ينتج عن هذا الاختلاف من تراث ثقافى، خاصة أن الدولة/ الدول التى تقوم على احترام التنوع الثقافى ويعيش مواطنوها فى سلام هى الأفضل حظًا فى تحقيق الاستقرار والتنمية. ولأن مصر دولة عظيمة، عريقة ورائدة، منذ فجر التاريخ، وفى كثير من مجالات الحياة والمعرفة الإنسانية، فإننى أقترح هنا أن تقدم الخارجية المصرية مقترحًا للجمعية العامة للأمم المتحدة خاصاً بإقرار يوم عالمى تحت مُسمى اليوم الدولى/ العالمى للمواطنة والوحدة الوطنية.
- أكاديمية الشروق