يُعد الفن، بمختلف مجالاته وأنواعه، فى شكله ومضمونه، واجهة حضارية للمجتمع، كما أنه أحد سفراء الوطن وأحد أبرز مصادر قوته الناعمة وأسلحته الذكية، وكلما كان الفن راقيًا ومُنيرًا، كان المجتمع مُتحضرًا ومُهذبًا، أما إذا كان الفن هابطًا ومُتدنيًا، فكلما عبر ذلك عن مشكلة حقيقية فى حاضر الوطن ومستقبله أيضًا، فالفن الحقيقى يهذب النفس ويسمو بالروح ويرتقى بالعقل، ويساعد المواطنين, الجمهور, على التحلى بالقيم النبيلة والراقية،لأنه يدعو إلى كل ما هو سام وراق ونبيل وجميل، ليُسهم بنصيبه فى تنمية المجتمع والارتقاء بالناس، شأنه هنا شأن مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية، وتقصد بها الأسرة والمؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية والرياضية والإعلامية والتشريعية ومنظمات المجتمع المدني.
وقد عرفنا عبر تاريخ مصر الحديث والمعاصر أعمالًا فنية كثيرة، قدمت رسائل مهمة اهتمت بتدعيم جهود التنمية وأسهمت فى بناء الوعى، بفضل اهتمامها بمناقشة قضايا مهمة وموضوعات وحيوية، وكثيرًا ما تساءل المفكرون والصحفيون فى كتاباتهم وندواتهم عن دور الفن، خاصة الأعمال الدرامية: السينمائية والمسرحية والتليفزيونية والإذاعية، ورسالتها فى المجتمع، وتساءلوا مثلًا عن واجب الدراما ومسئوليتها وهل دورها أن تعكس الواقع كما هو، أم أن عليها تغيير المجتمع والإنسان/ المواطن للأفضل؟ وكيف تكون المعالجة الفنية لموضوعات الفقر والجهل والمرض، والعلاقات الاجتماعية بين الناس، وقضايا المرأة والأطفال والشباب والأسرة، وأهمية العلم والعمل، والتوعية بتاريخ المصريين ومشكلات حاضرهم وتطلعاتهم للمستقبل.
أذكر هنا أن مدينة القاهرة عرفت مجلة فنية أسبوعية مصورة حملت اسم (دنيا الفن)، بين سنتى 1946م و1948م، لصاحبها ومحررها خليل عبدالقادر، وقد حفلت بالعديد من الموضوعات الفنية التى استهدفت الرقى بالفن المصرى وفنانيه، وكانت تطرح أسئلة من نوع: ما هى الصفات التى يجب توافرها فى الفنان الأصيل؟، وما هو الموضوع الاجتماعى الذى يجب أن تعالجه السينما؟، وقد تركز رأى مثقفى وفنانى تلك الفترة حول أهمية أن يشارك الفنان فى خدمة المجتمع والإنسانية، وأن يواصل رسالة التثقيف والتنوير، عبر أعماله الفنية وأنشطته الثقافية والاجتماعية، ما يعكس الوعى بدور الفنان ورسالة الفن..
قال الفنان نجيب الريحاني: الإيمان بالفن كرسالة ومدرسة لها هدف رفيع هو خدمة الإنسانية ورفع مستوى البشرية، والثقافة العامة إلى جانب دراسة علمية فى علم النفس وعلم الاجتماع ونظام الطبقات وحالة المواطنين، فهذه كلها أسلحة أو وسائل يعتمد عليها الفنان فى فنه الذى يجب أن يكون فى خدمة المجتمع لا من أجل الفن كما يقول بعض أصحاب الأبراج العاجية.
المطرب فريد الأطرش:الإحساس بالجمال والتمتع بالطبيعة والقدرة على تصويرها سواء بالموسيقى أو التمثيل أو النحت أو التصوير. الفنان محمود المليجى:الفنان الأمثل هو الرجل الذى يؤمن بمبادئ الحرية والإخاء والمساواة.
الفنان عباس فارس:الفنان الأمثل هو رجل يجعل من فنه سلاحًا يحطم به الأغلال والقيود التى تحول دون تحقيق المساواة التامة بين الناس. الفنان أحمد علام: الفنان الأمثل هو الذى يؤمن أن له رسالة فى الحياة خُلق لكى يؤديها، وفى سبيل تأديتها عليه أن يحتمل كل ما يعرض له من ألوان الشقاء أحيانًا وألوان الهوان أحيانًا أخرى بل وأحيانًا ألوان الاضطهاد، إنه هو الذى يشعر بأنه كالنور خُلق ليضىء وليستضيء به الغير.
فكرى أباظة بك: مصر الغد وكيف تكون سياسيًا واجتماعيًا وأدبيًا وفنيًا.. هذا هو موضوع الساعة الذى يجب أن يتفرغ لعلاجه كل أديب وكاتب وصحفى وفنان.. والسينما فى مقدمة الميادين التى يمكن أن نصور فيها ما نسعى إلى تحقيقه لمصر الغد. محمد محمود جلال: هل هناك موضوع أهم من معالجة الفقر والجوع والمرض ذلك الثالوث الذى هد كيان مجتمعنا المصرى فكان سببًا فيما نعانيه من أمراض سياسية واجتماعية وخلافه.
على الرجال: مصر التى قادت موكب الحضارة، وحملت مشعل العلم لتضيء طريق الإنسانية.. مصر الزمن الماضى يريد أن يعرفها أبناء هذا الجيل.. نريد موضوعًا سينمائيًا يحدثنا عن عظمة أجدادنا ويحدثنا عن مصر العصر الغابر زعيمة كل نهضة وصاحبة الفضل الأول على الإنسانية منذ العهود الأولى. محمد خطاب بك: ليس المهم هو معالجة الموضوعات الاجتماعية وإنما المهم هو الطريقة التى نعالج بها هذه الموضوعات حتى نحصل على التأثير المطلوب.
استاذ ورئيس قسم الصحافة
اكاديمية الشروق