تحتفل الكنيسة المصرية الوطنية اليوم بأحد الشعانين، وخرج الأقباط إلى الكنائس حاملين اطراف الزعف والزيتون ولكن ما هو احد الزعف:
تُعرف كنسيًا باسم أحد الشعانين، وهي كلمة عبرانية تعني “يا رب خلص” ويُسمى أيضًا أحد السعف أو أحد الخوص أو عيد الزيتونة؛ وذلك لأن الجموع التي خرجت لاستقبال السيد المسيح في هذا اليوم كانت تحمل معها فروع سعف النخيل وأغصان الزيتون. يوافق الاحتفال بهذا العيد الأحد السابع من أيام الصوم الكبير، وهو الأحد الذي يسبق عيد القيامة مباشرة، كما يوافق اليوم الأول من الأسبوع الأخير من الصوم المعروف بأسبوع الآلام. أحد السعف هو إحدى الأعياد الدينية الكبرى وله احتفالية شعبية تتميز بالمشغولات اليدوية من الخوص وما يتعلق بها من عادات يتم عرضها على النحو التالي:
تمثل أيقونة هذا العيد مناسبة دخول السيد المسيح إلى مدينة أورشليم، حيث يمتطي حمارًا وحوله موكب الجموع يحملون أغصان الشجر وسعف النخيل، وقد افترش البعض ثيابهم في الطريق أمام الموكب.
بالرغم من مرور مئات السنين على هذا الاحتفال، إلا أنه لا يزال محافظًا على جميع طقوسه وعاداته الموروثة، وقد اكتسب احتفاله طابعًا شعبيًا وعادات مصرية تعود بعضها إلى قبل ميلاد المسيح. ورغم أن الحدث الذي يحتفل به وقع في فلسطين ولم يحدث في مصر، فإنه كطبيعة المصريين يتم تأثيرهم بكل ما هو جديد ليتناسب معهم. من خلال جمع المعلومات، وجدنا أن الاحتفالية تبدأ بتزيين الكنيسة، ثم إقامة القداس في الصباح، ويتم استخدام الصلبان المصنوعة من الخوص في إكمال الصلوات. ويأتي أهل القرية إلى الكنيسة حاملين معهم باقات من السعف المجدول والعديد من الأشكال الأخرى ليتم منح البركة خلال الاحتفال. وبعد انتهاء الصلوات، تُعد فتة العدس جاهزة للتوزيع على المصلين والزوار.
ويذكر بعض المؤرخين، مثل المقريزي وإدوار وليم لين وغيرهم، أن الأقباط يأكلون السمك في هذا اليوم ولكن هذا غير صحيح؛ إذ يقع أحد السعف ضمن أيام الصوم الكبير الذي يمتنع فيه عن أكل السمك والذي يتسم بالتقشف، وبدلاً من ذلك، يمتنع بعض الأشخاص عن تناول الحلويات في هذا الأسبوع. يظهر أسبوع الآلام أهميته على جميع المستويات؛ فعلى المستوى الكنسي، تحتفل الكنيسة به بقراءات خاصة لا تُقرأ إلا في هذا الوقت من العام فقط، حيث يُسلط الضوء على آثار السيد المسيح من خلال عذاباته وصلبه حتى قيامته.
أما على المستوى الشعبي، فقد وصف المقريزي هذا الاحتفال قائلاً: “أما في أحد الشعانين السعف، فكان الأقباط يخرجون من الكنائس حاملين الشموع والمجامر والصلبان خلف كهنتهم، ويسيرون معهم المسلمون أيضًا. كانوا يطوفون بالشوارع ويرتلون، وكانوا يوزعون عملات ذهبية بشكل خراريب على الناس. وكان يُباع في أسواق القاهرة البيض الملون بكثرة، فيقوم به المعبدون والصبيان والغوغاء بالقمار. وكان الأقباط يتبادلون الهدايا من البيض الملون والعدس المصفى وأنواع السمك المختلفة، ويقدمونها لإخوانهم المسلمين.”
وأضاف أبو المكارم: “كان من عادة النصارى في الإسكندرية أن يخرموا الزيتونة في احتفال يوم عيد الشعانين في الليل، ويشقون بها المحجة والسوق، أي يسيرون بها من كنيسة القديس أبو سرجة إلى كنيسة الطير، كنيسة المخلص، مارين في الشوارع بين الكنيستين مرتين في فرح بالألحان والقراءات الكنسية والدعاء إلى الرب. ولكن ضاقت المسلمون الأقباط ومنعوهم من هذا الاحتفال بإلقاء الطوب عليهم من أسطح المنازل والمشاجرات الصغيرة، مما دفع الأقباط لوقف الاحتفال لمدة خمسة عشر عامًا متوالية. وذهب رجال كبار الأقباط إلى الوالي المسلم الأمير حصن الدولة الذي أعاد الاحتفال الذي اعتاد الأقباط احتفاله مئات السنين قبل الفتح العربي لمصر. وبعد ذلك، تم إرسال بعض الحراس لحراسة الاحتفال وأُمروا بتطبيق قواعد الاحتفال كالمعتاد، وكانت هذه الأحداث تحدث في سنة 44 فراجية.”
وفي الأيام التالية، زادت أسعار المحاصيل مثل القمح، حيث تم بيعه بأسعار مرتفعة في ليلة الزيتونة الويبة، مما أدى إلى فرحة المسلمين في الإسكندرية بخروج الزيتونة من الأرض بعد زراعتها، وبات هذا الاحتفال جزءًا من التقاليد السنوية في عيد الشعانين.
كانت الدولة في العصر الفاطمي تُعطي إجازة لكتاب الدواوين ومسؤولي الحسابات والدفاتر وغيرهم من موظفي الدولة، وعلى المستوى المدني يُسمح للعبيد بالراحة من أعمالهم طوال أسبوع الآلام. وحاليًا، تكتفي المصالح بالسماح بإجازة مدفوعة الأجر من رصيد الاعتيادي للموظفين أيام أحد السعف وخميس العهد.
وفي هذا العيد على المستوى الشعبي، تكثر الصلوات وأوقات الوجود في الكنيسة، كما يُمارس التقشف في الصوم ويمتنع الناس عن بعض الأطعمة، وجميعها مظاهر للمشاركة الجماعية.
##تاريخيّة سعف النخيل:
كان سعف النخيل من أهم النباتات المميزة في عيد رأس السنة، حيث كان يرمز إلى بداية العام بسبب تعبيره عن الحياة المتجددة. كان الناس يتبركون به ويصنعون منه ضفائر زينة يُعلقونها على أبواب المنازل. كما كانوا يحملون باقات من سعف النخيل ويُضعونها على المقابر في العيد، ويوزعون ثماره الجافة على موتاهم. هذه العادات الموروثة لم تتغير حتى اليوم.
كان سعف النخيل يلعب دورًا في استقبال الملوك والقادة عند عودتهم منتصرين في الحروب، لأنه كان يُستخدم بشكل شائع كرمز للترحيب والنجاح. وكان مناسبًا للتلويح به يمينًا ويسارًا بسبب سهولة حمله وانتظام أوراقه، ولونه الأخضر الزاهي كان يُعتبر بشيرًا للخير والحياة المتجددة.
في بداية حياة الرهبانية في مصر، كان لسعف النخيل دورًا مهمًا في حياة الرهبان؛ حيث كانت صناعته الخوص من الأعمال الرئيسية للرهبان بعد الصلاة والصوم. وكان سعف النخيل جزءًا من الطقوس اليومية للرهبان، وكان يُستخدم كمورد مادي رئيسي لهم.
##مجدولات أحد السعف
البداية الحقيقية لاحتفالات أحد السعف تكون من صباح يوم الجمعة السابق، حيث ينتقل الأقباط يوم الجمعة وحتى يوم السبت لتقطيع الخوص من قلب النخيل أو شرائه من المحترفين، ويقوم الأفراد بقطع النخيل الذي لديهم اهتمام خاص لاختيار أنواع جيدة من الخوص لتسهيل عملية الجدل والتضفير. أما حمل السعف نفسه فهو طريقة تقليدية متوارثة لا تحتاج إلى خبرة كبيرة بل تعتمد على المهارة اليدوية. وعلى الرغم من وجود أشكال معروفة لمجدولات السعف، إلا أنه لا توجد ضوابط تحكم من يقوم بالجدل، فقد يؤدي جدلهم إلى أشكال أخرى مختلفة، مما هو معروف ومعروف على وجه العموم أن تنحصر مجدولات مجتمعات البحث في أنماط معروفة يمكن تصنيفها إلى المجموعات التالية:
##الجردية المجدولة
تتمثل في أوراق السعف حول محور عود الجردي على شكل جناحي ملاك يمكن جدلهم بشكل يشبه جناحي الملاك مع العمود الواحد، كما يمكن تحويل شكل الأجنحة إلى شكل القلب، حيث يمكن رؤية الأجنحة على شكل قلب واحد أو أكثر.
##مجدولات الزينة
تعتبر مجدولات صغيرة الحجم بسيطة الصنع أو رقيقة الشكل، حيث يضع الأطفال تيجانًا أو طراطير من السعف على رؤوسهم. كما يمكنهم ارتداء خواتم وساعات مصنوعة من السعف أو الغوايش والأساور، وحمل أشكالًا شبيهة بالدلايات تعرف بعش النمل، ويستخدمون أحزمة مجدولة على شكل حلقات من السعف. تُهدى هذه الأنواع غالبًا من المسيحيين للمسلمين.
##المجدولات الرمزية
نظرًا لأن هذا الاحتفال خاص بالسعف، فإنه يُستخدم بشكل أساسي لصنع الصليب كجزء من مجدولات هذا الاحتفال، ويُصنع منه أشكالًا مختلفة.
##مجدولية الصليب
يحتل الصليب المجدول مكانة خاصة لدى الأقباط المسيحيين، ويُستخدم خلال جميع المناسبات الدينية بأدواره المهمة. يوجد منه أنواع عديدة، منها البسيط الذي لا يتطلب سوى ورقتين من السعف، ومنها المعقد الذي يحتاج إلى خبرة ومهارة كبيرة في صناعته، ويُصنع أحيانًا من الغاب أو سيقان القمح بدلاً من السعف. يكثر وجود صليب السعف بجانب صليب الخشب، وقد يُطلق عليه البعض “عروسة أحد السعف”.
يُستخدم صليب السعف في إقامة الصلوات داخل الكنيسة في هذا اليوم بدلاً من الصليب المعتاد، كما يُعلق على أبواب الكنائس والمنازل أيضًا.
مجدولية القربانة
هي مجدولية مربعة في الشكل يُستخدم في صناعتها عادة ستة أو عشرة أو عشرين ورقة من ورقات السعف، تتكون من طبقتين مجدولتين من السعف بشكل حافظة يمكن فتحها من إحدى الجوانب لوضع الخبز داخلها وذلك في إطار احتفالات عيد الشعانين.
مجدولات أخرى
تأخذ هذه المجدولات أشكالًا مختلفة مثل شكل الحمار أو الحمل، وعادة ما تُجدَل بأحجام صغيرة ذات دقة ورقية، فمثلاً يُجدَل شكل الحمار من السعف باعتباره تذكيرًا بالحمار الذي ركبه السيد المسيح عند دخوله إلى أورشليم في المناسبة التي يحتفل بها في هذا اليوم. أما بالنسبة للجمل، فليس له دور محدد في هذه المناسبة، وخاصة أن الشعب المصري في تاريخه كان يرتبط رمزيًا بالتصحر والجدب، وكان من رموز الإله “ست”. وبعد ذلك، أصبح للجمل صفات الصبر والتحمل، وقد يكون وجود شكل الجمل في هذه الاحتفالية تعبيرًا عن هذه المفاهيم وتقديمه كمقدمة لآلام السيد المسيح، ولكن هذا الرأي غير مؤكد.
السعف الجديد بيخلص من القديم
يتوجه الأقباط إلى الكنيسة في صباح هذا اليوم حاملين معهم نتاج عملهم من الخوص من مجدولات وأشكال أخرى، ويشاركون في الصلوات ويرشونها بالماء المقدس. يعودون من الكنيسة وهم يحملون مجدولاتهم المكرسة، وغالبًا ما يظهرون بها كرمز للخير والسلامة. يحمل كل شخص فيهم أغصان النخيل البيضاء ويعودون إلى منازلهم ليحتفظوا بهذه المجدولات في الأماكن المناسبة حتى يتبارك بها المنزل. تُثبت المجدولات عادة بالمسامير على الحوائط أو تُعرض في أماكن مرتفعة بعيدًا عن متناول الأطفال حتى العام التالي، وتُستخدم المجدولات القديمة في إيقاد الأفران لكي لا ترمى في الشوارع أو تُستخدم بطريقة تعتبر غير لائقة، حيث إنها مكرسة بالماء المقدس، ويعتبر استخدامها في إخماد الأفران أكثر لياقة واحترامًا.