كامل الشناوي المتوفي عام 1965.. كلما ذُكر اسمه، تذكرتُ معه ما يقوله العرب “لكل امرئٍ من اسمه نصيب”: الشناوي نجل رئيس محكمة، شغل منصب أعلى سلطة قضائية في مصر آنذاك (الشيخ سيد الشناوي).. وحفيد مولانا الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر(محمد مأمون الشناوي).
استهل تحصيله العلمي “أزهريا”.. وفي الصحافة تتلمذ “الشناوي” على يد د.”طه حسين” في جريدة “الوادي” التي التحق بها عام 1930.. وولد في ذات اليوم الذي توفي فيه الزعيم الوطني “مصطفى كامل”: كان الشناوي ـ إذن ـ “كاملا” منذ ولادته وإلى أن توفي “لتكتمل” رحلته باطلاق أكبر حملة “شائعات” حول: “السيدة” التي أحبها وعذبته إلى أن لقي حتفه “غيرة” عليها.. والتي ارتبطت بها قصيدته “لا تكذبي” .. ولعل الأخيرة ـ وبسبب هذه الشائعات المضطربة في متنها وسندها ـ نالت شهرة واسعة وهي القصيدة الأوفر حظا في الانتشار والحضور الجماهيري، حيث سُجلت بأصوات أساطين الطرب في مصر والعالم العربي: نجاة، عبد الحليم ومحمد عبد الوهاب.. وأسطوانة رابعة ـ غير مشهورة ـ بصوت الشاعر نفسه “كامل الشناوي”.. والطريف أنه نُسب إلى عبد الوهاب أنه أطلق على القصيدة اسم “اني ضبطتكما معا” من قبيل التفكه والضحك!
المدهش أيضا أن هذه القصيدة ادّعي البعضُ وعلى رأسهم مصطفى أمين وكان صديقا حميما للشناوي أن الأخير كتبها في بيته.. يقول أمين في مقال له بـ”مجلة آخر ساعة” : قد كتب قصيدته (لا تكذبي) في غرفة مكتبي بشقتي في الزمالك وهي قصيدة حقيقية ليس فيها مبالغة أو خيال وكان كامل الشناوي ينظمها وهو يبكي.”
ونقل البعض عن الفنانة “تحية كاريوكا” أنها أشارت إلى شرفة ضخمة فى بيتها الذى كان وقتها يطل على نهر النيل بالجيزة، وقالت: “كامل بيه” كتب القصيدة فى هذه الشرفة .
ونُقلَ عن كمال الملاخ قوله : كنت ألتقى كامل بيه دائماً فى الصباح الباكر فأنا أذهب إلى فندق “سميراميس” فى الساعة السابعة صباحاً متجهاً إلى الكافتيريا فشاهدته فى اللحظة التى كان يهم فيها لمغادرة المكان والعودة لمنزله ، كان ينهى أمامي قصيدة ” لا تكذبى” التى كان يكتبها طوال تلك الليلة.
الأكثر دهشة أن الروايات كانت شديدة الاضطراب، حال تعرضت لاسم الشخص “ابن المحظوظة”.. الذي وقعت حبيبة الشناوي في عشقه والذي “ضبطها” الشناوي معه ـ بحسب تلك المزاعم ـ وهو يلتهم “شفايفها” في رواية أو وهي تفضله على الجميع ليشاركها قطع كعكة عيد ميلادها في ستينيات القرن الماضي في رواية أخرى:
مرة يكون هذا “المحظوظ” يوسف السباعي، وأخرى يكون يوسف أدريس.. وثالثة يكون المخرج عز الدين ذو الفقار.
والحقيقة المستقرة عندي أن كل هذه القصص من صنع “الخيال”.. ولا أحد يعرف يقينا قصة قصيدة “لا تكذبي”.. والتي أكد الشناوي نفسه ـ في حوار أجرته معه الفنانة نجاة الصغيرة ـ أنه كتبها من وحي قصة حب قديمة عاشها في صباه وليس مع البطلة “المتخيلة” كما وردت في كل هذه السرديات.
ومن المفارقات المتصلة باسمه “كامل”.. أن قصيدته الأكثر جدلا في الأوساط الفنية والصحفية “لا تكذبي” كتبها على “بحر الكامل” أيضا والذي تفعيلاته الأساسية هي :
مُتَفَاْعِلُنْ مُتَفَاْعِلُنْ مُتَفَاْعِلُنْ ** مُتَفَاْعِلُنْ مُتَفَاْعِلُنْ مُتَفَاْعِلُنْ
ويمكن استخدام تفعيلة “مُتْفَاْعِلُنْ” عوضا عن ” مُتَفَاْعِلُنْ”
والجميل.. أن الشناوي استخدم مساحة أوسع نسبيا من اكسسوارات “عروض وضرب” بحر الكامل.. ما يجعل القصيدة نموذجا للتدريب على كتابة القصائد على هذا البحر شديد الرقة والعذوبة والصفاء.
تقول القصيدة:
لا تكذبي.. إني رأيتكما معا
ودعي البكاء… فقد كرهت الأدمعا
ما أهون الدمع الجسور إذا جرى
من عين كاذبة فأنكر وادعى!!
إني رأيتكما… إني سمعتكما
عيناك في عينيه… في شفتيه
في كفيه… في قدميه
ويداك ضارعتان
ترتعشان من لهف عليه!!
تتحديان الشوق بالقبلات
تلذعنى بسوطٍ من لهيب!!
بالهمس، بالآهات
بالنظرات، باللفتات
بالصمت الرهيب!!
ويشب في قلبي حريق
ويضيع من قدمى الطريق
وتطل من رأسي الظنون
تلومني وتشد أذني!!
فلطالما باركت كذبك كله
ولعنت ظني
لعنت ظني!!
ماذا أقول لأدمع سفحتها أشواقي إليك؟
ماذا أقول لأضلع مزقتها خوفاً عليك؟
أأقول هانت
أأقول خانت؟
أأقولها
لو قلتها أشفى غليلي!!
يا ويلتي..
لا، لن أقول أنا، فقولي..
لا تخجلي.. لا تفزعي منى.. فلست بثائر!!
أنقذتني من زَيف أحلامي وغدر مشاعري!
فرأيت أنك كنت لي قيدًا
حرصت العمر ألا أكسره
فكسرته!
ورأيت أنك كنت لي ذنباً
سألت الله ألا يغفره
فغفرته!
كونى كما تبغين
لكن لن تكوني!!
فأنا صنعتك من هواى
ومن جنوني..!
ولقد برئت من الهوى
ومن الجنون..!!