يتناول الهدف الرابع من رؤية مصر 2030 آليات دعم المعرفة والابتكار عبر البحث العلمي؛ حيث تتخذ مصر المعرفة والابتكار والبحث العلمي ركائز أساسية للتنمية، وذلك من خلال الاستثمار في البشر وبناء قدراتهم الإبداعية والتحفيز على الابتكار ونشر ثقافته ودعم البحث العلمي وربطه بالتعليم والتنمية.
ويعد الابتكار واحدة من القدرات البشرية التي أسهمت وما زالت تُسهم في عمارة الأرض، وتحقيق رفاهية للإنسان، فمن خلاله ينتج الإنسان أشياء جديدة غير مألوفة وغير تقليدية نتيجةً لتفاعله مع خبراته السابقة، ومن خلال تفكيره بطرقٍ جديدة بعيداً عن التفكير الروتيني، وينبغي أن يتحقق في الابتكار بعض الشروط، مثل الواقعية، والأصالة، وقابلية التعميم، وإثارة دهشة الآخرين.
ويُنظر إلى الابتكار على أنه أحد القدرات التي يمتلكها الفرد؛ لينتج من خلالها قدر كبير من المنتجات التي تتسم بالحداثة وفق سرعة فائقة قياسًا بالمنافسين، بما يحقق ميزة تنافسية للمؤسسة التي ينتمي إليها الفرد؛ لذا يعنى الابتكار بتقديم كل ما هو جديد ليطور من توظيف المواد الخام وفق فكر جديد يعمل على دعم أسواق عمل جديدة، ومن هنا يرتبط الابتكار بالنشاط البشري الذي يفرز ناتج يُوصف بالجدة والأصالة وقيمته العالية، ومن ثم فعالية أثره في شتى المجالات العلمية والحياتية.
ويرتبط الابتكار بمقدرة الفرد على إيجاد قدر من الأفكار التي تُوصف بالجدية، قد يستمدها من خبرات سابقة أو يستلهمها من الربط الوظيفي بين العلاقات بتنوعاتها وأنشطتها الفنية، أو الفلسفية، أو المنطقية، أو العلمية، بصورة منظمة قد تكون منهجية في بعض الأحيان، وقد تخرج عن المنهجية؛ لكنها مترابطة في مكونها؛ وبناء عليه يتوالد الابتكار من الأفكار التي يتم تحويلها لعمل ملموس، بما يؤكد أهمية تشجيع الخيال ودعم المناخ الملائم للابتكار على مستوى الفرد والجماعة.
وفي بعض الأحيان يُعضد الابتكار آلية الانتقال من التناقضات إلى آلية التوفيق بينها؛ لينتج عنها رؤى جديدة تحقق غايات كُبرى مُفيدة على المستوى الفكري والعملي، ويشكل ذلك بالضرورة إنجازًا ملموسًا يتوق له الجموع.
وتسعى الدولة المصرية بناءًا على استراتيجيتها إلى تدشين البرامج التي يمكن من خلالها تحقيق مستويات أعلى لإمكانيات وقدرات كل من الأفراد والأجهزة والمؤسسات وصولًا إلى رفع مستوى المعيشة وتحقيق حياة أفضل للمواطنين، ويعبر ذلك عن تنمية الابتكار بصورة وظيفية؛ إذ تؤكد على دعمه وترسيخ مقوماته والعمل المستمر لاستدامته ومواجهة تحدياته ومعوقاته.
ويُعد البحث العلمي قاطرة الابتكار وفق عملية فكرية منظمة، من أجل تقصي الحقائق، وتناول القضايا، والمشكلات المتجددة بمنهجية وعلمية، تهدف إلى إضافة معلومة جديدة وإثراء المعرفة والوصول إلى حلول للمشكلات، وبناءًا على ماهية البحث العلمي ينبغي تحول البحث إلى منتج عملي، لا يقف عند التنظير، وبما يساعد في إيجاد المزيد من المنتجات النهائية التي تؤكد في النهاية أن البحث العلمي يسير في طريق التطور والازدهار، وعليه يُعد البحث العلمي بمثابة المقوم الرئيس في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، على المستويين الوطني والدولي.
وحري بالذكر أن إنتاجية المجتمع تقوم على مدى اهتمامه بالبحث العلمي؛ حيث تحرص المؤسسات البحثية على زيادة الانتاجية المعرفية والفكرية لتعمل بقصد على تنمية الموارد البشرية باعتبارها الداعم الرئيس للتنمية بصورها المختلفة؛ لذا فإن رفع كفاءتها الانتاجية أصبحت ضرورة يقع على عاتقها مشاركة بين المؤسسات البحثية والمؤسسات الانتاجية؛ فقد صار الانتاج البحثي قائم على التعليم من خلال اكتساب الخبرات والإعداد والتأهيل والنشاط البحثي التطبيقي الذي يحقق الجدوى الاقتصادية منه، ويُعد استثمار يعود أثره على المؤسسة التعليمية والمؤسسة الإنتاجية والمجتمع.
وما تقدمه الدولة من دعائم لمسار البحث العلمي يصعب حصره؛ حيث تحُث المؤسسات الجامعية لإنشاء معامل بحثية متكاملة؛ بغية توظيف البحث العلمي، وتنمية القدرات العلمية في تطوير المعرفة، وتطويع التقنيات للمشاركة في حل المشكلات المجتمعية وإحداث التنمية المستدامة، ومن ثم تحض الدولة على الشراكة بين الجامعات ومؤسسات الإنتاج والخدمات، بما يُسهم في ممارسة النشاط البحثي سواء بالمؤسسة الجامعية أو المؤسسة الانتاجية ويؤدي لمزيد من الابتكار.
وتوفر الدولة نظم المعلومات والبيانات الداعمة للبحث العلمي؛ حيث تمد المؤسسات البحثية بقواعد معلوماتية متخصصة ودقيقة تساعد في تطوير المجالات البحثية المختلفة، كما توفر فرص إرسال البعثات للمؤسسات البحثية الأجنبية لا سيما في التخصصات الحديثة والنادرة، وخاصة في العلوم المستقبلية؛ لتكسب الباحث المهارات التي تؤدي بالضرورة لمزيد من الابتكار.
وتهتم الدولة بتوجيه مباشر من القيادة السياسية بتطوير البنية الأساسية للبحث العلمي؛ حيث الاهتمام بالجانب التقني الذي أصبح واقعًا معاشًا في سائر مفردات الحياة العلمية والعملية والحياتية، وتحاول وزارة البحث العلمي العمل على زيادة عدد المشروعات البحثية الممولة؛ بالإضافة إلى توفير النشر العلمي في مجال العلوم المتقدمة، والدعوة الرائجة في العالم قاطبة تُعضد فكرة تطوير المجال البحثي لتلبية متطلبات سوق العمل المتغيرة تقوم على فلسفة الابتكار عبر برامج تنموية تحمل خطط بحثية ذات رؤى مستقبلية للمؤسسة الجامعية والبحثية.
وتؤكد القيادة السياسية على ضرورة انتاج المعرفة واستغلالها بصورة وظيفية؛ لتحقق نتاجًا يساعد في التنمية البشرية والمادية على حد سواء؛ فقد تضمن البحث العلمي كافة الأنشطة والممارسات الابتكارية التي تعمل على ثراء الرصيد المعرفي والذي بدوره يؤدي إلى إحداث استدامة للتنمية في شتى المجالات وعبر القطاعات بصورة متكاملة.
وتقدم القيادة السياسية الدعم اللازم لتطوير منظومة البحث العلمي بالمؤسسة الجامعية والمراكز البحثية؛ فقد وفرت مصادر المعلومات من خلال بنوك المعرفة المتطورة، وأتاحت سهولة اتصال المؤسسات بقواعد البيانات الرقمية، ولا ريب أن ذلك يتأتى من قناعتها بأن التطوير في شتى المجالات يقوم على هذه المنظومة التي تقدم الحلول والابتكارات العلمية وفق منهجية مدروسة ومعرفة علمية عميقة تعد حجر الأساس لكافة صور التطوير القائم على معايير الجودة العالمية.
وتتبنى المؤسسات المعنية بالبحث العلمي راية التنافسية التي تقوم على الابتكار، وتسعى هذه المؤسسات لاستخدام الأساليب العلمية القائمة على تقنية المعلومات في التغلب على ما يواجه المجتمعات من تحديات ومشكلات اقتصادية واجتماعية، ولا يتوقف الأمر عند إيجاد حلول، بل تعمل على تبني رؤى مستقبلية استباقية قائمة على التخطيط الاستراتيجي تساعد في تلافي مشكلات الماضي وتمتلك مقومات مواجهة ما قد يطرأ من مشكلات وتحديات مستقبلية محتملة.
وتُشكل الثورات الصناعية نموذجًا واقعيًا للاكتشافات العلمية القائمة على نتاج البحث العلمي التطبيقي، ولا يُنكر بالطبع دور المؤسسة الجامعية التي أفرزت معاملها الاكتشافات العلمية؛ باعتبارها نواة الابتكار الذي ينتج عنه دعائم التطوير في المجال الاقتصادي بصفة خاصة، وهو ما يحقق جودة الحياة التي تحرص الدول عبر سياستها المختلفة على توفيرها؛ فقد أضحى الاستقرار الاجتماعي والسياسي رهن رضى المواطن الذي يتطلع دومًا للرفاهية.
وبرغم ما توصلت إليه البحوث العلمية من نتائج حققت لنا أن نحيى في أزهى العصور التي يتوافر فيها ما يحلُم به الفرد؛ إلا أن جهود المؤسسة الجامعية في خضم منظومة البحث العلمي لا تتوقف، بل باتت التنمية المستدامة التي تضمن حق الفرد في الحاضر والمستقبل يشغل الاهتمام البحثي؛ إذ أضحت الموارد الطبيعية في محدودية، بما يضع على كاهل البحث ضرورة التنقيب عبر أدواته ليصل إلى حلول تتسم بالابتكارية في ضوء معرفة متجددة.
ويشير الواقع الحالي إلى أن المؤسسات البحثية بتنوعاتها أضحت تتبنى استراتيجية بحثية تتسق مع استراتيجية الدولة نحو التنمية؛ لذا صارت الشراكة واضحة في تفعيل التعاون بين المؤسسات البحثية والمؤسسات الانتاجية الخاصة منها والمملوكة للدولة، كما تعمل الدولة بكامل طاقتها على توفير الدعم اللوجستي لتعضيد البحث العلمي، ومن ثم تشجع القطاع الخاص على تمويل البحث العلمي وزيادة الاستثمار الذي يدر الربح للقطاعات التي تعتمد عليه، ولا ينفك ذلك عن الاهتمام التام بتنمية الموارد البشرية التي تُعد أدوات نهضة المجتمع ورقيه؛ فهناك تدريب مستمر ينتج عنه استفادة من الطاقات والقدرات التي يمتلكها الباحثون في شتى المجالات العلمية.
والأمل معقود على تحويل مجتمعنا بكامل مكوناته الفريدة لمجتمع معرفة يحرص على نقل المعرفة عبر مؤسسات البحث العلمي ووسائل التواصل الرقمية المتعددة، ويهتم بنشر المعرفة من خلال الإعلام الهادف والمتنوع، ويحرص على توليد المعرفة بواسطة المؤسسات البحثية والتعليمية بهدف التطوير المستمر، ومن ثم يستطيع استثمار المعرفة اعتمادًا على المؤسسات الإنتاجية المستفيدة التي تقدم الدعم المباشر لبراءات الاختراع الناتجة عن الابتكار.
حفظ ربي علينا مقومات أمننا وأماننا، ووفق قيادتنا السياسية لمزيد من الإنجازات، ومكن لنا المولى أسباب ومسببات الريادة التي تؤسس على الابتكار.