بقيادة المستشار بولس فهمي: الدستورية تُعيد ضبط المشهد القضائي في قضايا الحضانة بحكم تاريخي

حُكم المحكمة الدستورية في مسكن الحضانة: خطوة فاصلة تُعيد التوازن للأسرة المصرية وتحسم الجدل القضائي
قضاء مُستنير ومبدأ راسخ: حكم دستوري يُنصف الأب ويصون مصلحة الطفل ويحفظ هيبة القانون
بقلم صموئيل العشاي:
في لحظة فارقة من لحظات القضاء المصري، أصدرت المحكمة الدستورية العليا برئاسة المستشار بولس فهمي إسكندر، حكمًا بالغ الأهمية يُعد من أبرز المحطات في تاريخ قضاء الأحوال الشخصية في مصر، حيث أسست من خلاله لمبدأ قضائي جديد، لا يكتفي بالتفسير، بل يعيد بناء المفاهيم القانونية المرتبطة بمسكن الحضانة، ويضع حدًا للتأويلات التي أربكت الساحة القضائية.
حُكم يُعيد ضبط البوصلة التشريعية: لا اجتهاد مع نصّ دستوري واضح
استند الحكم الصادر في الدعويين الدستوريتين رقم 7 لسنة 8 قضائية و119 لسنة 21 قضائية إلى قراءة متأنية ودقيقة للمادة (18 مكررًا ثالثًا) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929، وتفسيرها في ضوء التعديلات اللاحقة بالقانون رقم 100 لسنة 1985، وأكدت المحكمة في حيثياتها أن المشرّع أراد بشكل واضح أن يكون التزام المطلق بتهيئة مسكن الحضانة محدودًا ببلوغ الصغير أو الصغيرة سن الحضانة الإلزامي، وهو سن معلوم لا يقبل الاجتهاد أو التمديد دون سند قانوني أو أمر قضائي مسبب.
بهذا التفسير، يكون الحكم قد قضى بوضوح تام أن حق الحاضنة في البقاء بمسكن الحضانة لا يُمكن أن يستمر بعد انتهاء سن الحضانة الإلزامي، إلا إذا صدر إذن من القاضي باستبقاء الصغير لدى الأم مراعاةً لمصلحته، لكن دون أن يمتد ذلك ليشمل البقاء في مسكن الزوجية.
الانتصار لحُرمة الأحكام الدستورية: لا مجال لإهدار المبادئ العليا
ما يُضاعف من قيمة الحكم، أنه لم يكتف بتفسير النصوص، بل تعامل مع حكم استئنافي سابق صدر بالمخالفة لمبادئ المحكمة الدستورية، فقضى بعدم الاعتداد به، مؤكدًا أن أحكام المحكمة الدستورية تحوز حجية مطلقة في مواجهة الجميع، بما في ذلك باقي جهات القضاء، استنادًا إلى المادة (195) من الدستور والمادة (49) من قانون المحكمة، وهي خطوة فارقة تعزز مبدأ وحدة المرجعية القانونية، وتمنع التضارب في التفسيرات القضائية التي تؤدي إلى إرباك العدالة.
حُكم يصون التوازن بين أطراف الأسرة المصرية
في مجتمع يُقدّس روابط الأسرة، ويعيش تحت وطأة نزاعات الأحوال الشخصية، جاء هذا الحكم ليعيد التوازن المفقود. فقد أقر بحق الأب – المطلق – في استرداد مسكن الحضانة بعد انتهاء المدة القانونية، شريطة أن يكون له أصلًا الحق في الاحتفاظ به، وهو ما يُحقق العدالة له كطرف غالبًا ما يُهدر حقه في قضايا الحضانة. وفي الوقت ذاته، لم يتجاهل الحكم مصلحة الصغار، بل أقر بإمكانية استبقاء الطفل لدى الحاضنة إذا استدعت الضرورة ذلك، لكن على أساس “الرعاية التطوعية” لا “الحق المكتسب”، بما يضع الأمور في نصابها دون تجاوز أو انحياز.
تحية للمستشار بولس فهمي: قاضٍ من طراز رفيع
المستشار بولس فهمي، رئيس المحكمة الدستورية العليا، أثبت مرة أخرى أنه يحمل إرثًا قضائيًا عظيمًا وفكرًا دستوريًا مُستنيرًا، استطاع عبر هذا الحكم أن يُعيد الثقة في سلطة القضاء الأعلى، ويُجدد مفهوم الحماية الدستورية للحقوق دون انتقاص من أي طرف. فبقيادته، أصبحت المحكمة لا تكتفي بإصدار الأحكام، بل تُعيد بناء الوعي القانوني في المجتمع، وترتقي بمفاهيم العدالة إلى مستوى أرقى من مجرد المنازعات.
تأثيرات واسعة على المجتمع والتشريعات القادمة
من المؤكد أن هذا الحكم سيكون له تأثير مباشر على توجهات المشرّع المصري في تعديل قوانين الأحوال الشخصية مستقبلًا، حيث سيأخذ بعين الاعتبار ما استقرت عليه المحكمة الدستورية، في ظل مطالبات متزايدة بإعادة النظر في التشريعات المتعلقة بالطلاق والحضانة ومسكن الزوجية. كما أن الحكم سيسهم في توجيه القضاء العادي نحو احترام السوابق الدستورية، وتوحيد معايير تطبيق القانون في مختلف المحاكم، مما يُسهم في تقليل التناقضات ورفع المعاناة عن آلاف الأسر.
خاتمة: لحظة عدالة تاريخية لا تُنسى
هذا الحكم ليس مجرد قرار قانوني، بل هو بيان عدالة، يُكرّس الاحترام لأحكام المحكمة الدستورية العليا، ويُنهي فوضى تأويل النصوص، ويُعلي من شأن مصلحة الطفل دون أن يُهدَر حق الأب أو تُستغل الحضانة كمكسب شخصي. إنه حكم يُسطّر بمداد من ذهب، ويجب تدريسه كأنموذج للعدل المستنير الذي يراعي الدستور والمجتمع معًا.
كل التحية والتقدير للمحكمة الدستورية العليا، ولرئيسها المستشار بولس فهمي، وللقضاة الأجلاء الذين صاغوا هذا الحكم، الذي يُعيد للأب دوره، وللأم تقديرها، وللعدالة هيبتها