حكمة أقرب إلى نصيحة، «لا تدس (تدوس بقدميك) على سنابل القمح الذهبية لتقطف وردة شقائق النعمان»، سنبلة القمح لا يضاهيها شىء ولا حتى وردة شقائق النعمان التى تعالج المرضى، فخير القمح عميم ونفع الوردة يخص المرضى.
«من ليس لديه سوى القمح لا يستطيع بيع الشعير»، هكذا يعبر المثل اليونانى عن الحالة المصرية، مصر ومنذ القدم تخصص قمح، كيف تحولت مصر من سلة غلال العالم إلى أكبر مستورد للقمح؟
بشرة خير، مجلس الوزراء رفع سعر توريد القمح ليصبح 2000 جنيه للإردب من 1600 جنيه، حسنًا قررت الحكومة، القمح يستحق التضحية، والفلاح المصرى أولى، والسعر أتمناه عادلًا، والحاجة ملحة لكل إردب زيادة، وفى ذلك فليتنافس الفلاحون.
الحكومة تلتفت للفلاحين، وهذا من حسن تصريف الأمور، حان وقت رعاية مزارعى القمح والمحاصيل الحقلية الرئيسية التى تكلفنا كثيرًا بالاستيراد.
الزعيم الهندى (مهاتما غاندى) يقول: كى ينبت القمح ينبغى أن يهلك البزار، وترجمته فى القاموس الفلاحى الشفاهى، «الفلاحة مناحة»، أى تعب وشقاء، وزراعة القمح من الشقاء بمكان، ولا ينبئك مثل فلاح أصيل، طين الأرض على كعابه.
الرهان على الفلاح المصرى لا يخيب أبدًا، مفطور على العطاء، وكريم معطاء، وأجود من الريح المرسلة، ووقت الشدة شديد، «كنا رجالة ووقفنا وقفة رجالة»، والوقفة المطلوبة وقفة رجاله فى ظهر الدولة المصرية فى ظل أزمة القمح العالمية، قربى لشعب الطيبين، من أجل رغيف عيش من قمح الأرض الطيبة فى فم طفل من ولاد البلد الطيبة.
إن الشق وسط حبة القمح يرمز إلى أن النصف لك والنصف الآخر لأخيك، فرض عين على كل فلاح أصيل، وليس فرض كفاية توريد كامل قمحه (مع بداية موسم الحصاد بعد شهر من الآن) إلى الحكومة لنكفيها مؤنة الاستيراد بالدولار، وليس هذا وقت معاندة، أو متاجرة أو مزايدة، سعر التوريد المعلن مُبشر، والحاجة ماسة للتوريد الاختيارى دون اللجوء للتوريد الإجبارى.
البلد فى شدة، ولا نملك رفاهية عدم توريد المحصول، ما يضطر الحكومة لاستيراد أضعاف الإنتاج بكلفة ضخمة من لحم الحى.
الحكومة تترجى الله فى طن قمح زيادة، بعد شح القمح الأوكرانى والقمح الروسى من جراء الحرب، والقمح المحلى ما شاء الله عليه، مبشر دومًا، يطرح فيه البركة، والأحوال الجوية والحمد لله مساعدة على تمام وسرعة النضج، وستمتلئ السنابل بحبوب الخير، ببركة رب السموات، «فِى كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ» (البقرة/ 261).
هذا ليس وقت اختيار، لا نملك رفاهية الأيام الخوالى، وأعلم علم اليقين أن الفلاح المصرى صاحب مروءة، وشهامة، وبذل، ونخوة، ولم يتأخر يومًا عن العطاء وبلا حدود، وعرقه مغرق الشاوشى، وحاضر فى غيطه، ودوامه من الشروق للغروب، وثقة فى فالق الحب والنوى أن يكرمنا بحصاد يكفينا مؤنة الاستيراد، ونأكلها عيش بدقة ولا سؤال اللئيم…