بمناسبة سؤال هل يدخل المسيحيون الجنة؟!
أهم إصدارات دار الإفتاء المصرية فى السنوات العشر الأخيرة، ما يسمى «موسوعة الفتاوى الموسمية»، صدرت فى أحد عشر مجلدًا تجمع بين دفتيها كل الفتاوى التى تهم المسلم فى المناسبات المختلفة.
أشك أن دار الإفتاء عرجت فى موسوعتها المهمة على مجلد ما يسمى «الفتاوى المسيحية»، والتسمية كريهة وغير مهضومة، ولكنها باتت من الفتاوى الموسمية المقررة علينا من قبل سلفيى العصر والأوان، عادة ما ينشطون فى رمضان والأعياد والمواسم الدينية لجمع الحسنات على رؤوس إخوتنا المسيحيين يبضعونهم فى الفضاء الإلكترونى.
أسئلة مكرورة تمس أخوتنا تلح عليها منصات إلكترونية تقتات على مثل هذه الأسئلة المفخخة، إزاء حالة فيروسية أصابت العصب المصرى، إلحاح مرضى، حالة نفسانية أصابت البعض، لا تمر مناسبة دينية إسلامية أو مسيحية، وحتى فى رمضان إلا وينغص عليهم بسؤال بغيض من عينة: هل يدخل المسيحيون الجنة؟
بمناسبة سؤال عنوانى «جنة المسيحيين» أمس، تذكرت عنوانًا كتبته قبل، وأستعيد محتواه، التكرار كما يقولون يعلم الشطار بعنوان «لا تلحفوا فى المسألة المسيحية!!»، والإلحاف بمعنى التكرار والإلحاح، ألحف يعنى ألحّ، ومنها اللحوح بمعنى الكثير السؤال المديمه.
ما موقع المسيحى من الإعراب، سؤال مكرور مكرر متكرر، ومستهجن، وإجابته متوقعة، والعجيب لا السائل يكف عن السؤال، ولا الشيخ يكف عن الإجابة، لازم إدخال المسيحى فى جملة مفيدة، واستدعاء الجار المسيحى لإثبات سماحة.
ما تحمله الأسئلة من هذا الصنف الطائفى الردىء استجداء بغيض، للأسف تعبير عن حالة مرضية تلبست البعض ممن يتبضعون الحنو على المسيحيين!.
متلازمة الأعياد والمواسم الدينية وفتاوى أهل الكتاب، للأسف صارت بضاعة رائجة على المنصات الإلكترونية، ويتورط بعض مشايخنا الأفاضل فى الإجابة بما يمليه عليهم ليس الخلق الإسلامى القويم فحسب، ولكن ما يفرضه «الترند» بسطوته على وسائل التواصل الاجتماعى!.
أسئلة عجيبة مثل: هل يجوز التصدق على المسيحى الفقير من زكاة المال؟ سؤال رمضانى مكرور، وهل تجوز زكاة الفطر للزوجة المسيحية من زوجها المسلم، ولو على سبيل الهدية أو العيدية كيفما تسمت؟!
ومع قدوم الأعياد تقام على الفضائيات مزادات جمع الحسنات، مثلًا: هل يجوز إهداء (كحك) بسكر لجارنا المسيحى فى عيد الفطر؟ ويرد مولانا: لا مشاحة فيما تقدمه، ولا مماحكة فيه، إنها واضحة بينة، مستحب، ويستطرد: والأفضل تهديه (كحك) دون سكر، لأن السكر غالٍ!.
ومثلها: هل يجوز إخراج جُعل من زكاة المال لجار مسيحى فقير؟ ويرد مولانا: جائز بإجماع الشارع، أما زكاة الفطر فللصائمين، والمسيحيون عادة لا يصومون رمضان، رغم صومهم الكبير!.
ومن هذا كثير، فى الحالة المصرية ينظرون إلى المسيحى باعتباره «مفعول به»، قطب سالب ينتظر العطف والحنية والصدقة والهدية، ومكان فى الجوار.. فى الجنة وما يوعدون، وكأن المسيحى ربنا سخّره للمسلمين ليجمعوا عليه حسنات فى الحياة الدنيا!
صدقنى لو عاوز تدخل الجنة صاحب واحد مسيحى، فى كل لفتة حسنة، صبحت عليه… حسنة، مسيت عليه… حسنة، عيّدت عليه… حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، تخيل المسيحى للمسلم فى الحياة الدنيا كنز حسنات، بس السلفيين مش فاهمين.. أو فاهمين غلط!.