قد ـ وهذا في الغالب ـ لا يعرف المطربُ أو الملحنُ، اسم بحر الشعر الذي كتب عليه الشاعر قصيدته المغناة.
لا علاقة ـ بالقطع ـ بين نوع البحر “الشعري” والمقام الموسيقي الذي لُحنت عليه القصيدة.
الملحنُ أو المطربُ، ينفعل فقط مع “الكلمات” وليس مع بحور الشعر التي نُظمتْ الكلمات عليه. لكن يبقى التشديد على أن مهارة الملحن تظل حاضرة في تطويع البحر ـ الذي لا يعرفه ـ إلى أن يذعن للأجواء التي شعر بها الملحنُ من خلال انفعالاته مع الكلمات.
على سبيل المثال: كتب نزار قباني قصيدته “زيديني عشقا زيديني” على إيقاع/بحر “الخبب”.. وهو من البحور التي تضج بـ”الشقاوة” تبدو معه المفردات وكأنها “راقصة” على إيقاع “طبلة”.. وقد أطلق عليه العروضيون العرب هذا الاسم لأنه يشبه “ركض الخيل/الخبب”.. وهو يناسب أغاني الـ”تيك واي” أو ما يشبه الوجبات السريعة جاهزة التحضير..
ومن الصعب على الملحن، أن يفرض عليه سلطته حال شاء تقديم مقطع فيه من “السلطنة” ما يحيلك ـ لا إراديا ـ إلى راقص “مولوي” في حضرة مولانا جلال الدين الرومي. ولأجل ذلك ـ بحسب حدود علمي ـ لا توجد قصيدة للسيدة أم كلثوم على مثل هذه البحور: الخبب أو المتدارك.. لأنها ـ أي الست ـ كل أغانيها تضرب خيمتها عند أعلى نقطة من “السلطنة” الغنائية إذا جاز التعبير.
المهم.. أن الأستاذ كاظم الساهر ـ بمهارة رائعة ـ قدم هذه القصيدة “زيديني عشقا” التي على بحر “الخبب” على نوتة موسيقية كتبها على مقامي “نهاوند” و”البياتي” وهما من أسس “السلطنة” في كلاسيكيات الموسيقى العربية.
في السياق ـ ذاته ـ لي أنا قصيدة كتبتها على “الخبب” شعر تفعيلة بعنوان “ذات مساء”.. لحنها وغناها المطرب والموسيقار العربي الأستاذ إبراهيم نصير “مرفق مطقع الأغنية في المقال” .. وأستطاع أيضا بمهارة نادرة، أن يخضع هذا البحر الشعري “الشقي والمتمرد” إلى مقتضيات “السلطنة” في الطرب العربي الأصيل حيث لحن القصيدة على مقام “بياتي” رائد إيقاع السلطنة في الموسيقى العربية
وتجعلك في حالة توحد مع هويتك الشرقية وذائقتك العربية.. لا تشعر معها بالاغتراب أو العبث أو فك وإعاد تركيب للذائقة العربية على نحو ما هو جاري حاليا ومنذ غياب فناني الزمن الجميل عن المشهد الفني العبثي الحالي.