عودة أفلام «الكبار فقط» إلى الشاشة المصرية بعد غياب 6 سنوات: ثلاثية سينمائية مثيرة للجدل والمشاعر

منى زكي في رحلة مقلقة نحو التوبة، إبراهيم عيسى يفتح ملف الإلحاد، ومحمد أمين يوثق صراع العائلة والهوية
في خطوة أعادت الجدل حول حرية التعبير والتصنيف العمري إلى واجهة المشهد الثقافي المصري، قرر جهاز الرقابة على المصنفات الفنية السماح بعرض ثلاثة أفلام جديدة، مع وضع إشارة «+18» على اثنين منها، وثالثٍ مصنف «+16»، معلناً عودة تصنيف “للكبار فقط” بعد غياب دام نحو ستة أعوام، منذ فيلم “بلاش تبوسني” الذي أثار حينها ضجة واسعة.
الأفلام الثلاثة هي:
- “الرحلة 404” بطولة منى زكي
- “الملحد” من تأليف إبراهيم عيسى وبطولة أحمد حاتم
- “أصل الحكاية” للمخرج محمد أمين
قرار الرقابة أعاد إلى الأذهان سؤالاً ظل معلقاً في أوساط الجمهور والنقاد: هل التصنيف العمري قيد على الإبداع، أم حماية للوعي المجتمعي؟ وبينما يراه صناع الأفلام نوعاً من الاحترام للعقل المشاهد، يرى آخرون أنه قد يُفقد الأفلام شريحة واسعة من جمهور الشباب والمراهقين، رغم أن هذه الفئة تحديداً قد تكون المستهدفة ببعض رسائل تلك الأعمال.
“الرحلة 404”: امرأة تفر من ماضيها نحو الخلاص، لكن الطريق ليس معبداً
يُعد فيلم “الرحلة 404” أبرز العناوين في هذه المجموعة، ليس فقط بسبب بطولته المطلقة للنجمة منى زكي، ولكن أيضاً لأنه عانى رحلة إنتاج شاقة استغرقت أكثر من 3 سنوات، ومرّ بعدة أزمات مع الرقابة، وصلت إلى حد تغيير اسمه من “القاهرة – مكة”، وإجراء تعديلات درامية ومشهدية قبل أن يُمنح الضوء الأخضر للعرض.
الفيلم عُرض في مصر يوم 25 يناير، ثم بدأ عرضه في الوطن العربي بداية من 1 فبراير. وكان من المفترض أن يشارك في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي بجدة عام 2022، لكنه انسحب بناءً على طلب الرقابة، لتعود حكاية الفيلم إلى مربع الانتظار.
تدور أحداث “الرحلة 404” حول امرأة لها ماضٍ مؤلم، تسعى للتوبة وأداء فريضة الحج، لكنها تصطدم بحدث يُجبرها على العودة إلى عالمها القديم لتوفير نفقات علاج والدتها. بين نداء الروح ومصيدة الواقع، تمضي البطلة في رحلة داخلية تعيد تشكيلها من جديد.
يشارك في الفيلم مجموعة متميزة من النجوم، منهم:
محمد فراج، محمد ممدوح، خالد الصاوي، شيرين رضا، وهو من تأليف محمد رجاء، وإخراج هاني خليفة، ما يضمن جودة فنية مرتفعة مدعومة بأداء تمثيلي رفيع.
“الملحد”: فيلم يخترق منطقة محرّمة ويطرح الأسئلة المؤجلة
العمل الثاني، وربما الأكثر جدلاً وجرأة، هو فيلم “الملحد”، الذي كتبه الصحفي والكاتب المعروف إبراهيم عيسى، وأخرجه ماندو العدل، ويأتي بطله الفنان أحمد حاتم مجسداً شخصية شاب يدعى “يحيى”، نشأ في بيت متدين، لكنه يصطدم بأسئلة وجودية تدفعه إلى التشكيك والإلحاد.
الفيلم الذي تأجل أكثر من عامين، واجه صعوبات منذ الإعلان عنه، بسبب حساسية الموضوع، خاصة أن مصر عرفت سابقاً معركة رقابية حول فيلم آخر بنفس الاسم قبل 10 سنوات، أُنتج وقتها من قبل نادر سيف الدين، وعُرض أيضاً تحت شعار “للكبار فقط”.
لكن هذه المرة، وافقت الرقابة على عرضه بتصنيف “لمن هم فوق الـ16 عاماً”، وهو ما اعتبره البعض خطوة متقدمة نحو التعامل الناضج مع موضوعات دينية حساسة، تُطرح للنقاش لا للتسويق للإلحاد.
بطولة الفيلم موزعة على نخبة من الفنانين:
محمود حميدة، حسين فهمي، صابرين، شيرين رضا، نجلاء بدر، تارا عماد، ويأمل منتجه أحمد السبكي أن يُعرض في موسم عيد الفطر، مؤكداً أن التصنيف العمري لن يُضعف من الحضور الجماهيري، بل قد يكون سبباً في رفع الاهتمام والمشاهدة.
وقال السبكي في تصريحات لـ”الشرق”:
“الفيلم مشروع متكامل من حيث الفكرة والتنفيذ، وتمت مراعاة كل الملاحظات، ولذلك لا قلق من ردة الفعل الجماهيرية، بل ننتظر حواراً مجتمعياً ناضجاً بعد عرضه.”
“أصل الحكاية”: كوميديا عائلية بنكهة فلسفية
أما ثالث الأفلام، فهو “أصل الحكاية”، الذي أخرجه وكتبه محمد أمين، وتدور أحداثه في إطار اجتماعي كوميدي حول الاختلاف داخل الأسرة الواحدة، حيث يصر كل فرد على رأيه، في ظل مشكلات مختلفة تواجههم، مما يعكس صورة مصغرة عن التمزق الفكري الذي يعاني منه المجتمع.
هذا العمل تم تصنيفه أيضاً +18، رغم طابعه الكوميدي، وهو ما يفتح باب التساؤلات حول مدى توافق الكوميديا مع الطرح العميق، وحجم الجرأة التي ربما تبرر هذا التصنيف.
يشارك في بطولة الفيلم عدد من الأسماء البارزة في عالم الكوميديا والدراما:
خالد الصاوي، بيومي فؤاد، شيري عادل، هالة فاخر، كريم عفيفي، محمد ثروت، علاء مرسي، ومحمود حافظ.
ومن المتوقع أن يُعرض الفيلم خلال الأيام القليلة القادمة، وهو يعوّل على تنوع الأجيال داخل فريق العمل ليجذب فئات مختلفة من الجمهور، ويفتح نقاشاً مجتمعياً جديداً حول الاختلاف وقبول الآخر داخل الأسرة المصرية.
تصنيف الكبار فقط: قيود أم مسؤولية؟
مصدر داخل جهاز الرقابة على المصنفات، صرّح لـ”الشرق”، بأن التصنيف العمري ليس إجراءً جديداً، بل هو متبع في جميع دول العالم، والغرض منه هو حماية الجمهور لا تقييد حرية الإبداع.
وأضاف:
“نحن لا نمنع الأفلام بل نوجّهها إلى الفئة المناسبة، وهذا يحفظ حقوق الجميع، الفنان والجمهور والمجتمع.”
العودة إلى تصنيفات “للكبار فقط” تعني أن السينما المصرية بدأت تدخل مرحلة جديدة من النضج والتنوع، حيث تتناول قضايا إنسانية، ودينية، ونفسية عميقة دون خوف أو تزلف.
لكن في المقابل، فإن هذه المرحلة تتطلب أيضاً مسؤولية أكبر من صناع السينما، في كيفية توظيف الجرأة، والالتزام برسالة الفن التي لا تثير فقط، بل تفتح باب الحوار والتفكير.
خاتمة: موسم استثنائي يختبر وعي الجمهور
مع اقتراب موسم عيد الفطر، تبدو صالات السينما المصرية على موعد مع موسم استثنائي. فبين الدراما الإنسانية في “الرحلة 404”، والجدل الفلسفي والديني في “الملحد”، والواقع الاجتماعي في “أصل الحكاية”، تتجه السينما نحو كسر قوالبها التقليدية، وتخوض معركة الوعي والمكاشفة.
تبقى الأسئلة:
- هل سيتقبل الجمهور هذا الطرح الجديد؟
- وهل سيتحول التصنيف العمري إلى معيار للفن الجاد؟
- أم أننا سنعود مجدداً إلى مربع الرقابة الأبوية التي تخشى من مواجهة الأسئلة؟
الإجابة، كما يبدو، ليست في يد الرقابة وحدها، بل في يد جمهور واعٍ، يملك الحق في أن يختار، ويتأمل، ويُناقش