حددت دار الإفتاء قيمة زكاة الفطر بـ35 جنيهًا حدًّا أدنى، أما الفدية فحددتها «الإفتاء» بـ30 جنيهًا حدًّا أدنى عن اليوم الواحد لمَن يعجز عن الصيام لسبب شرعى مستمر ومعتبر.
مفتى الجمهورية، الدكتور «شوقى علام»، يخبرنا بجواز إخراج زكاة الفطر نقدًّا، إن الأمر فيه سعة، ويجب أن نرى ما يحتاجه الواقع ونطبقه، والواقع يقول إن الناس في حاجة إلى المال أكثر مما سواه. رأى فضيلته لا يعجب السلفيين والتابعين، لا يزالون مُصِرِّين على التضييق على الطيبين بالتشديد على إخراج زكاة الفطر قمحًا وشعيرًا وتمورًا، ويفتون بإمكان إخراجها (تجاوزًا) بقوليات، «فول وفاصوليا وأرز… وغيرها».
ولا يأبهون بنقص الأقماح والبقوليات في الأسواق، وبعمدية خلو من المقاصدية العليا لإخراج الزكاة، يسهمون في إحداث ربكة في الأسواق من فرط السحب على المكشوف من المخزون الحرج من السلع الغذائية.
والسؤال، ماذا يفعل الميسور، هل يتكالب على شراء أجولة القمح ليكيلها زكوات، أنى له هذا في سياق حياة حديثة؟!.
وماذا يفعل الفقير في الحضر بصاع قمح أو شعير، هل يطحنها في الخلاط ويخبزها أرغفة في فرن البوتاجاز مثلًا؟، أخشى أنه سيجمعها في جوال، ويُعيد بيعها في الأسواق بأبخس الأسعار، ما يترجم خسارة محققة من زكاة مقدَّرة، فلا هو استفاد منها ولا تمتع مَن أخرجها بثمرة زكاته.
خلاصته، ولا ندَّعِى علمًا، لكنه فقه الواقع، إخراج زكاة الفطر نقدًا في زماننا هذا أنفع للفقير، ومراعاة مصلحة الفقير معتبرة شرعًا ومن فقه المقاصد، ولا إنكار على مَن أخرجها قوتًا، وإن ترجح إخراج النقد لسعة تصرف الفقير فيه. حاجة الفقراء إلى المال مُلِحّة، أكثر إلحاحًا من صاع قمح أو صاع شعير أو صاع تمر، هذه حاجة الطيبين في صدر الإسلام، وحتى هذه الأنواع من الزكوات اجتهد فيها الصحابة في حضرة الرسول، صلى الله عليه وسلم، والحاجات تغيرت وتبدلت مع مرور القرون.
يُروى عن معاذ، رضى الله عنه، أنه قال لأهل اليمن: «ائتونى بخميس أو لبيس آخذه منكم مكان الصدقة، فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة»، وفى رواية: «ائتونى بعرَض ثياب آخذه منكم مكان الذرة والشعير…».
وأهل اليمن كانوا مشهورين بصناعة الثياب ونسجها، فدفعها أيسر عليهم، على حين كان أهل المدينة في حاجة إليها، وقول معاذ الذي اشتهر، فرواه «طاووس»، (فقيه اليمن وإمامها في عصر التابعين)، يدلنا على أنه لم يفهم (معاذ) من قوله، صلى الله عليه وسلم، «خذ الحب من الحب» أنه إلزام بأخذ العين، ولكن لأنه هو الذي يطالب به أرباب الأموال، والقيمة إنما تؤخذ باختيارهم، وإنما عيّن تلك الأجناس في الزكاة تسهيلًا على أرباب الأموال لأن كل ذا مال إنما يسهل عليه الإخراج من نوع المال الذي عنده، كما جاء في بعض الآثار، أنه عليه السلام، جعل الدية على أهل الحلل حللًا، والدية عند الفقهاء مال يجب في الجناية على النفس أو ما دونها، ويجوز إخراجها من ثلاثة أجناس: الإبل والذهب والفضة، لاختلاف الناس في ذلك… والزكاة نقد بالقياس، والله أعلم.