يمتلئ التاريخ المصري بنماذج مبهرة من نساء مصريات ساهمن في تطوير مصر ونهضتها في العصر القديم والحديث أيضًا. وأحب أن أتحدث عن إحدى الملهمات التي لقبت بأم التعليم في مصر، وهي الأميرة فاطمة اسماعيل. لها الفضل الأكبر في إنشاء جامعة القاهرة، والتي كانت تعرف سابقًا باسم جامعة فؤاد الأول.
بدأت فكرة إنشاء جامعة مصرية تدرس العلوم والآداب باللغة العربية بدلاً من سفر المصريين إلى أوروبا لاكتساب المعرفة هناك. قدم الفكرة في بادئ الأمر رواد الفكر مثل مصطفى كامل وسعد زغلول والشيخ محمد عبده وقاسم أمين. قاوم هؤلاء رفض الاحتلال ومعارضي النقمة لإنشاء جامعة مصرية. قام مصطفى كامل بترويج فكرة إنشاء جامعة مصرية في جريدته “اللواء”، وتحمس جميع المصريين لهذا الفكر. قاموا بجمع 8000 جنيه مصري، ولكن هذا المبلغ لم يكن كافياً في ذلك الوقت لبناء الجامعة وشراء الأرض والتجهيزات. لذلك، تبرع أحد الوجهاء الوطنيين بأرض في القليوبية، وليست داخل القاهرة، وتبرع أيضًا بباص نهري لنقل الطلاب من القاهرة إلى مقر الجامعة في الفليوبية.
ومع ذلك، توقف المشروع بسبب اعتراض الخديوي عباس في ذلك الوقت. انسحب من دعم الجامعة لكسب رضاء الإنجليز. أيضًا، انسحب سعد زغلول من لجنة دعم الجامعة المصرية بعد أن أصبح وزيرًا للمعارف. توقفت الجامعة المصرية في تلك الفترة، لكن الله وقف لهذه الجامعة سيدة فريدة ووطنية نادرة.
بعد أن أقنع الدكتور محمد علوي باشا، طبيب الأميرة فاطمة ابنة الخديوي إسماعيل، الأميرة بتخصيص جزء من وقفيتها للخير لصالح الجامعة المصرية، وافقت الأميرة ووقفت 661 فدان في الجيزة كوقف خيري للجامعة. وتبرعت أيضًا بـ18 ألف جنيه لإقامة البناء وتجهيزات الجامعة. بعد ذلك، أعلنت الجامعة المصرية عن تأسيسها رسميًا في عام 1908.
تم تغيير اسم الجامعة المصرية لاحقًا إلى جامعة فؤاد الأول، تيمنًا بالخديوي فؤاد الأول الذي كان يدعم الجامعة ويسعى لتطوير التعليم في مصر. ومع مرور الوقت، تطورت الجامعة وأصبحت واحدة من أبرز الجامعات في الشرق الأوسط.
تظل الأميرة فاطمة اسماعيل رمزًا للتعليم والعطاء في مصر. قدمت مساهمة كبيرة في تحقيق حلم إنشاء جامعة مصرية تعلم العلوم والآداب باللغة العربية. ومنذ إنشائها، تخرجت من جامعة القاهرة عدد كبير من الشخصيات المؤثرة في مصر والعالم العربي.
إن إرث الأميرة فاطمة اسماعيل يستمر في تلهم النساء والشباب في مصر للسعي نحو التعليم والتطور. فهي تذكرنا بأهمية العطاء والتضحية من أجل بناء مجتمع يعتمد على المعرفة والتعليم.