اتجهت الفئات الشعبية إلى تحويل أموالها من الجنيه إلى الدولار .. بعدما كان الأمر في سنوات سابقة مقتصر على كبار رجال المال .. أما الأثرياء الذين تزيد أموالهم السائلة عن 200 مليون بدأوا المضاربة الكبرى بشراء الدولار بسعر يزيد 10 جنيه عن السوق السوداء.. ما يحدث خطر حقيقي يهدد العملة الوطنية بالانهيار المستمر مهما حاولت الحكومة، الحكومة التي تعد المتهم الأول في كل ما وصلنا إليه مهما حاولت التنصل من المسئولية..
المواطن الذي يسيطر عليه الخوف والرعب من القادم.. يسابق الزمن لتحويل أي مبلغ تحت يده إلى دولار، ويشتريه بسعر السوق السوداء .. ماذا يعني ذلك؟!.. يعني ببساطة إستمرار إنهيار الجنيه بلا توقف، وأن المواطن يدعم الدولار ويرفع سعره بلا توقف أيضاً وكأننا نعيش في أمريكا وليس في جمهورية مصر العربية.. وهو ما يجعلنا أمام سيناريوهات مظلمة قد تذهب بنا إلى النموذج التركي الذي يقدم فوائد تصل إلى 45% في البنوك، وبالطبع؛ الفائدة المرتفعة تقضي على الإستثمار فلا يوجد استثمار آمن يعطي صاحبه 45% فأكثر صافي ربح، أو النموذج الأرجنتيني والذي تعاني عملته الوطنية من تراجع كبير حيث وصل الدولار الواحد إلى أكثر من 800 بيزو، والمفارقة أن مصر تحتل المرتبة الثانية بعد الارجنتين في قائمة الدول الأكثر اقتراضا من صندوق النقد الدولي.. أو نعيش كابوس لبنان ونصبح بلد لا تستطيع الوفاء بالتزاماتها.. وهو خطر لو تعلمون عظيم.
عزيزي القارئ.. الساكن في الصعيد أو الدلتا .. في القرية أو المدينة .. في المناطق الراقية أو الشعبية.. انت بتحويل أي فلوس لديك من الجنيه إلى الدولار بحجة انك تريد الحفاظ على قيمة اموالك.. أنت لا تنتقم من الحكومة بمفردها، أنت تنتقم من نفسك والوطن معاً، فمعنى إستمرار المواطن في كل أنحاء مصر بتحويل أمواله إلى الدولار، يعني أن الدولار سيكون العملة الرسمية في مصر، ويعيد الإحتلال الأجنبي من بوابة المال مجدداً، ويعني أن الأزمة لن تستمر بل سوف تتفاقم.. حتى نلغي العملة الوطنية ونستبدلها بالدولار.. أنه التركيع الإقتصادي في أبشع صوره.. تركيع يتجاوز الحصار إلى القتل الإقتصادي.
يأتي أحدهم ويقول: «هذا ليس ذنبي .. إنما ذنب السلطة التنفيذية بكل مستوياتها التي اقترضت أموال أكبر من قدرتنا على السداد، ووضعتها في مشروعات ليست ذات ربح مكافئ لما تم اقتراضه، وانفقت مليارات الدولارات على أشياء لا طائل منها وضعيفة المردود المالي، منها إنشاء ما يسمى بـ«البرج الايقوني» في العاصمة الإدارية بـ 3 مليار دولار، وفق تقارير إعلامية، في بلد تعاني أزمة اقتصادية طاحنة .. وغيره الكثير والكثير، وقامت بتعويم العملة الوطنية بقرار غير محسوب مما أدى إلى ضياع المدخرات، وتراجع القدرة الشرائية، وخسائر على كل المستويات، وأصبح أي مواطن يريد أن يعيش في ذات المستوى الذي كان يعيش فيه قبل التعويم في 2016، ملزم بأن يضعاف مستوى دخله أربع مرات على الأقل، وللأسف الأغلبية فشلت في مواكبة هذا الغلاء، وتحول المصريين إلى فقراء معدمين لا حول لهم ولا قوة، رغم أنهم ليسوا مذنبين في شيء .. لم يركتبوا أي مخالفة قانونية.. يؤدون أعمالهم كالمعتاد .. والكثير منهم أصبح يعمل في أكثر من عمل، وآخرين غيروا وظائفهم بحثاً عن دخل أفضل.. والنتيجة أنهم غير قادرين على مواكبة الغلاء .. وبات الجميع يبحثون عن حل.. الجميع يسألون عن الحل .. يفكرون ماذا بعد؟! .. وللاسف الحكومة فقدت السيطرة على السوق وباتت تلقي بالمسئولية على الجميع .. وتهرب من دورها، والشعب بات حائر مرتبك خائف من القادم الذي أصبح فوق قدراته، فقد حذرنا من قبل وقلنا: «طاقة المصريين نفذت».
مراقبون قالوا إن الحكومة أخذ قرار تعويم العملة الوطنية في 2016 حتى لا تعلن الدولة إفلاسها، ويكون لذلك تبعات سلبية على النظام، رغم رفض أجهزة الدولة التعويم لخطورته على الإقتصاد الوطني وعلى مدخرات المواطنيين ومستوى حياتهم، الذي أصبح منذ ذلك التاريخ في تراجع مستمر، نعم بهذا القرار تم إنقاذ «رقبة الحكومة» على حساب الدولة، يومها وجدت «الحكومة» أنها تحتاج فرصة ومزيد من الوقت لمعالجة ما تمر بها من أزمات، إلا أنه بعد كل هذه السنوات، الشكل الاقتصادي لم يتغير، واستمرار التعويم أدى إلى مزيد من التراجعات ومزيد من القروض بالتزامن مزيد من المشروعات ضعيفة العائد ومزيد من بيع الأصول الوطنية مرتفعة العائد، مما سبب ضغوط شديدة على حياة الشعب، وعدم قدرته على مجابهة تغييرات الأسعار بشكل مستمر دون توقف، من 2016- 2024 فقدت العملة الوطنية أكثر من 10 أضعاف قيمتها.. فقد كان الدولار الواحد بـ8 جنيه أصبح الآن بـ71 جنيه في السوق السوداء ويزيد بشكل يومي.
ازمة الدولار .. واخطاء الحكومة والمواطن…
1- تسببت في انخفاض تحويلات المصريين بالخارج، أكثر من 20% ومرشح للزيادة، لن يحول أحد فلوسه إلى جنيه مصري إلا للمصاريف الضرورية.
2- تسببت في وقف الاستثمارات الأجنبية والعربية الجادة فلن يدخل أحد مشروع بدون دراسة جدوى، ولا دراسة جدوي بدون سعر صرف مستقر.
3- تسببت في وقف النشاط التجاري .. فلا يوجد تاجر يريد أن يقامر بأمواله في ظل تغير يومي لسعر العملة.. وأصبح الكثيرون الآن يبيعون بسعر يومي، والبعض توقف عن البيع قائلاً: « البضاعة المركونة كل يوم سعرها بيزيد لماذا أبيعها ومعرفش اجيب بديل عنها؟!».
4- المواطن المصري الآن بات يؤجر وحدات سكنية بالدولار وليس الجنيه، يبيع ممتلكاته وفقا لسعر الدولار وليس قيمة الجنيه، يسدد التزاماته بالدولار، ويقول «الدائن» لـ«المدين»: «ديوني تساوي اليوم 1000 دولار بسعر السوق السوداء، موافق ترجعهالي بعد شهرين بشرط أن تعطيني 1000 دولار أو ما يعادلها بسعر السوق السوداء في يوم السداد لتوقع الأغلبية أن الجنيه يتجه لمزيد من الانخفاض أمام الدولار.
5- تسبب في احجام المواطنين عن بيع الدولار ويتم تخزينه، وفي ظل حاجة الحكومة الملحة للدولار للوفاء بالتزاماتها، تحولت الحكومة في بعض الأحيان إلى مضارب، وعلى رأي أحدهم: «هي الحكومة غرمانه حاجة، دي بتطبع فلوس مصري بالعبيط دون سياسة مالية واضحة، فتشتري الدولار باغلى سعر .. وهو ما دفع البعض إلى اتهام الحكومة أنها السبب المباشر في أزمة الدولار..» .. وللأسف هذه الإتهامات الخطيرة لم تجد رد من الحكومة أو تفنيد لها.. ولا نعرف السر.
هذا وغيره غباء اقتصادي، يتجاوز فشل الحكومة ومطالب الكثيرين بتغييرها في أسرع وقت، يتجاوز الاحتفاظ بقيمه الأموال، يتجاوز قرار التعويم الأول للإدارة الحالية في 2016 الذي اتخذته لمنع إعلان إفلاس مصر، والحصول على مساحة من الوقت، لم يستفيد منها، وبات الشعب شريكاً مع السلطة في قتل العملة الوطنية مع سبق الإصرار والترصد، وبتلك الممارسات دخل الجنيه النفق المظلم الذي لن يخرج منه إلا بمعجزة، حتى لو تم ضخ مليارات الدولارات في البنوك الآن؟!، نعم .. ما لم يُغير المواطن ثقافته ويوقف أعتماده على الدولار كعملة رسمية له وليس الجنيه، وبات يدخر بالدولار وليس الجنيه .. وكأنه يعيش في أمريكا، نعم .. المواطن اعتمد الدولار ولن يتوقف.
يقول أحدهم: «مصر في حالة حرب .. ونعاني من حصار اقتصادي .. وأن ما يحدث فوق إحتمال مصر والهدف تركيعها وجعلها ترضخ لأصحاب المخطط العالمي وقادة النظام العالمي الجديد» .. وهذا صحيح .. وصحيح جداً .. لكن يبقى السؤال: هل استعد صاحب القرار لهذا الحصار .. هل ادخر ما يمكنه على المواجهة، ويعين الشعب على الوقوف في وجه أعدائه.. هل الممارسات خلال الفترة الماضية ساعدت الشعب على التعلم وامتلاك المعرفة والثقافة، وتوفير مدخرات تعينه على الأيام الصعبة، هل امتلكت الدولة مصانع وشركات منتجة تحقق الاكتفاء الذاتي، حتى نقول لو مصر لم يدخلها أي سلعة، لن يموت شعبها جوعاً؟!.. هنا يقيم النظام السياسي ومدى استعداده لما هو قادم … الجميع متفقين أننا دولة مستهدفة.. فهل السلطة أسعدت لهذا الاستهداف؟!.
نؤمن أننا في مركب واحدة .. جميع فئات الشعب بلا استثناء.. وإلا سوف نغرق جميعاً.. لكن من معه السلطة يتحمل المسئولية كاملة …ولا يمكن محاسبة باقي الشعب على أخطاء ارتكبها من يقودون السفينة، فالقاعدة تقول: «رجال السلطة التنفيذية يملكون القرار ويحاسبوا عليه، والشعب يلتزم بقرارات السلطة طالما في مصلحة الوطن» .. بات القادم مجهول.. ويبقى السؤال: من يعالج الرعب والخوف والقلق الذين يسيطرون على الجميع الآن؟!.