عام 1995 حصُل الفنان الأمريكى ميل جيبسون على جائزة الأوسكار كأحسن مُخرج عن تُحفَتِه السينمائية الملحمية القلب الشُجاع، كان العمَل تجسيدًا لنضال الشعب الأسكتلندى فى القرن الثانى عشر للاستبداد البريطانى الذى سلب اسكتلندا حُريتها ومُقدراتها، مُقدِمًا سردًا لقيادة (ويليام والاس/ ميل جيبسون) شعبهُ فى مواجهَة جيش التاج البريطانى، وكانت البداية مِن لحظة التحوُّل فى حياة ويليام بعد مقتل والده وعمه الأكبر مقاومَةً للنُبلاء الانجليز وجندهم، وهو ما يدفع عَمَّه الأصغر (آرجيل والاس) إلى احتضان ويليام وتنشئتِه ليكون فارسًا قادرًا على الدفاع عن نفسه ووطنه وصولًا إلى قيادة أمته للتحرر من الاحتلال عبر استحداث وسائل مُقاومَة غير تقليدية دفعت الملك إدوارد إلى تجييش كُل مُقدرات مملكته للقضاء على وليام وثورته وصولًا إلى إلقاء القبض عليه وحمله للتمثيل به أمام الجماهير البريطانية بتقطيع أطرافه وأوصاله على الملأ ليعتذر عن مواجهة سلطان الاحتلال، لكنَّه يرفض مُجرد إعلان التألُم مُكتفيًا بهُتافه للحُرية التى فى سبيلها عاش وقاتل ويموت.
مُنتصف ديسمبر من عام 2023 نُظِمَت أمسية ثقافية فنية فى العاصمة البريطانية لندن لدعم الشعب الفلسطينى فى مواجهة توحش مُحتله الصهيونى، وخِلال فعالياتها ألقى فيلم القلب الشُجاع بظلاله عبر إطلالة العم الأصغر (آرجيل والاس) بشخص ممثله الفنان الأسكتلندى المُخضرم بريان كوكس، والذى هو أحد نجوم المسرح الشكسبيرى الكلاسيكى مُنذ ستينيات القرن العشرين، والعضو فى فرقة شكسبير الملكية بستراتفورد، وعبر مَقطع مُصوَّر فاجأ كوكس العالم بإلقائه قصيدة باللغة الانجليزية نَظَمها الأديب والأكاديمى الفلسطينى الدكتور رفعت العرعير، وبصوتِه الممزوج ثقَةً وقوَة وثقلا راح يُلقى القصيدة (إذا كان لابد أن أموت، فلابد أن تعيش أنت لتروى حكايتى، لتبيع أشيائى، وتشترى قطعة قماش وخيوطا، فلتكن بيضاء بذيل طويل، كى يُبصر طفلٌ فى مكان ما من غزة وهو يحدق فى السماء، منتظرا أباه الذى رحل فجأة دون أن يودع أحدًا، ولا حَتَى لَحْمَهُ أو ذاتَهُ، يبصر الطائرة الورقية، طائرتى الورقية التى صنعتَهَا أنت تُحلِقُ فى الأعالى، ويَظُنُ للحظة أن هناك ملاكًا يُعِيدُ الحُب، إذا كان لا بد أن أموت .. فليأت موتى بالأمل .. فليصبح حكاية).
بداية أكتوبر 2023، كان الأديب الأكاديمى الفلسطينى رفعت العرعير، يجوب أنحاء قِطاع غَزة انطلاقًا مِن حيث يعيش فى حى الشُجاعية ومِن حيث يُدَرس الأدب الانجليزى فى الجامعة، لمْ يكن سوى شاعرٍ وأديب ومعلمٍ يحلُم بأن يعيش فى وطنٍ حَقُه الحرية وحق شعبه الحياة، ولهذا رفض عروض العمَل حين حصل على الماجستير مِن جامعة لندن عام 2007 فى الأدب المقارن، ومِثلها العروض التى انهالت عليه بعد حصوله على الدكتوراه فى الأدب الانجليزى من جامعة بوترا فى ماليزيا 2017، وفى 2021 كتب فى صحيفة نيويورك تايمز «أجدُ نفسى تنازعنى بين الرغبة فى إخراج عائلتى إلى الخارج بسبب الصواريخ والشظايا والحطام المتساقط، وبين البقاء فى المنزل لنكون عرضة لقصف الطائرات الإسرائيلية الأمريكية الصنع، وفى النهاية بقينا فى المنزل.. على الأقل سنموت معا»معَ آخر شهرٍ فى 2023 كان الشاعر الفلسطينى يقفُ بين أطلال منزله الذى قصفَهُ المُحتَل يُفتش عن أوراقِه وكُتبِه ساخرًا من توحش يُحاصره، «لو فتشوا منزلى فلن يجدوا فيه أصلب من قلم سبورتي»، قالها قبل أن يتوجَه إلى إحدى مدارس الأونروا لكِنه بحسب ما كتبَهُ رامى عبده مدير «المرصد الأورومتوسطى لحقوق الإنسان» فى «جنيف» تلقى تهديداتٍ بالقتل من قبل المخابرات الإسرائيلية، وبعدها لجأ إلى منزل شقيقته بجنوب غزة وفيه قرر أن يكتب قصيدتَهُ وصدَّر بها صفحته الإلكترونية، كَتبها أملًا فى أن نتلقاها لنروى عنه حين تنالُه وحشية صهيونية تستهدف الإنسان الفلسطينى برًا وبحرًا وجوًا، كتبها قبل أن تُطلق الطائرات قنابلها لتحصد روحه ومعها أرواح أخيه وابنه وأخته وثلاثة من أبنائها، ارتقى الشاعر الفلسطينى فيما صوتُه يوصينا بألا نتوقف عن رواية قصته وقصص أهل فلسطين أملًا فى امتلاك رواية إنسانية فلسطينية تُعيد القوة للمجتمع قبل النخبة وتُدَلل بالقص عن الأرض على الحق فيها، إصرارٌ يُعيد إنتاج صيحة وليام والاس للحرية فيما يُمَزق المُحتَل جسدَهُ أمام ناظريه والعال