عبر سنوات طويلة مضت احتلت قضية المواطنة اهتمامًا كبيرًا من جانب عدد غير قليل من المفكرين والباحثين، ممن اهتموا بالتنظير الفكرى والعمل الميدانى الذى يستهدف التوعية بمبدأ المواطنة وترسيخه فى عقول الناس وممارساتهم، فى البيت والشارع والنادى وأماكن العمل، من خلال مؤسسات التعليم والثقافة والفن والإعلام، بالإضافة إلى تضمينه فى منظومة التشريعات والقوانين واللوائح.
حيث يقوم مبدأ المواطنة على أساس المشاركة والمساواة بين المواطنين المصريين دون تفرقة ودون تمييز بسبب الدين أو المذهب داخل الدين الواحد أو النوع الاجتماعى أو اللون أو المستوى الاقتصادى- الاجتماعى أو الانتماء الفكرى والأيديولوجى..، حيث ارتبط مبدأ المواطنة بترسيخ قيم العدالة والمساواة والحوار البناء والتسامح والعيش المشترك، ونشر ثقافة التعددية والتنوع وقبول الآخر وحرية الاعتقاد، ومن جانب آخر مناهضة العنصرية والتمييز ومواجهة التعصب والأفكار المتطرفة والمتشددة ومكافحة خطابات الكراهية.
ومن المفكرين والباحثين انتقل الاهتمام إلى المسؤولين، وبالفعل تم النص على مبدأ المواطنة فى المادة الأولى من الدستور المصرى فى تعديلات عام 2007م، وأصبحت المواطنة مادة ثابتة فى التعديلات اللاحقة والدساتير التالية، وهنا تجدر الإشارة إلى تقرير مهم صدر مؤخرًا عن المركز الإعلامى برئاسة مجلس الوزراء عنوانه «بفضل دولة 30 يونيو.. حلم المواطنة والوحدة الوطنية يصبح واقعًا يعيشه المصريون»، حيث يوضح التقرير كيف أن الدولة المصرية قد عززت المفهوم الشامل للمواطنة والوحدة الوطنية،
عبر دعم التمكين السياسى للمواطنين الأقباط (المصريين المسيحيين) «داخل المؤسسات المختلفة للدولة والمشاركة المجتمعية فى العمل الأهلى والتنموى، وسن القوانين التى تتيح حرية ممارسة الشعائر الدينية وبناء دور العبادة، والاهتمام بالمشروعات الدينية والتراثية والحضارية والثقافية، كونها أيقونات تاريخية فريدة تعكس هوية مصر الوطنية ومكانتها فى مختلف الأديان السماوية، ما جعل أرض الكنانة فى طليعة الدول التى قدمت للعالم تجربة متميزة فى التعايش بين النسيج الوطنى، وتعظيم القيم الإنسانية ونشر ثقافة التعددية والتى لاقت إشادة واسعة من المجتمع الدولى والإقليمى».
ولأن الأمر يتطلب إرادة سياسية حقيقية، فقد أبرز التقرير اهتمام الرئيس عبد الفتاح السيسى بالحديث المنتظم والإيجابى عن المسيحيين فى مصر، وجهوده لخلق هوية مصرية واحدة تشمل المسلمين والمسيحيين، ودعوته إلى مزيد من التعايش والوحدة الوطنية، وتحقيق التعايش والتفاهم بين كافة الأديان، وهو الأمر الذى لفت انتباه المؤسسات الدولية ووسائل الإعلام الأجنبية، وغيرهم من المعنيين بحقوق الإنسان وملف المواطنة.
من الممارسات العملية التى رصدها التقرير: حرص الرئيس السيسى منذ توليه منصبه على حضور قداس عيد الميلاد المجيد، وافتتاح أكبر مسجد «الفتاح العليم» وكنيسة «كاتدرائية ميلاد المسيح» بمصر، فى العاصمة الإدارية الجديدة، كرسالة تسامح وود وتعايش- 2019م، وشهدت حركة المحافظين تعيين اثنين مسيحيين فى منصب المحافظ عام 2018م، منهما أول سيدة مسيحية، الدكتورة منال عوض ميخائيل، محافظة دمياط، وتعيين قاض مسيحى، المستشار بولس فهمى إسكندر، رئيسًا للمحكمة الدستورية العليا لأول مرة فى خطوة تاريخية- فبراير 2022م.
مراجعة الكتب المدرسية لبعض الصفوف الدراسية لإزالة النصوص التى تضر بحقوق المختلفين دينيًا، والعناية بترميم الكنائس وتقنين أوضاع البعض منها، والسماح ببناء كنائس جديدة، بعد عدة عقود من التوقف، وإصدار القانون رقم 190 لسنة 2020م الخاص بإنشاء هيئتى أوقاف الكنيسة الكاثوليكية والطائفة الإنجيلية، وإعداد قانون الأحوال الشخصية الموحد للمسيحيين (الأرثوذكس، الإنجيليين، الكاثوليك) المقترح من الثلاث كنائس، وجار إعداده فى وزارة العدل.
كما تم زيادة تمثيل المسيحيين بمجلس النواب ليصبح عددهم 37 نائبًا مسيحيًا فى مجلس 2023م، بعد أن كان 5 نواب مسيحيين فى مجلس 2012م، بجانب زيادة تمثيل المسيحيين بمجلس الشيوخ، 24 نائبًا مسيحيًا فى مجلس 2023م، مقارنةً بـ 15 نائبًا مسيحيًا فى مجلس 2012م.
وهناك أيضًا مشروع إحياء مسار العائلة المقدسة، الذى يشمل الكنائس والأديرة وآبار المياه ومجموعة من الأيقونات القبطية الدالة على مرور العائلة المقدسة بتلك المواقع، ويمتد لنحو 3500 كم ذهابًا وعودة من سيناء حتى أسيوط بصعيد مصر، بإجمالى 25 نقطة فى 11 محافظة، وقد حصل المشروع على جائزة تقديرية من وزارة الثفاقية المكسيكية، وشهادة «ممارسة جيدة» للجوائز الثقافية الدولية من المنظمة العالمية للمدن والحكومات المحلية.
وهكذا يبقى بلدنا الحبيب مصر وطنًا للجميع، يجمعنا فيه تاريخ مشترك ومصير واحد.