بمحبة وأريحية، أجاب البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية، على السؤال المكروه: كم عدد الأقباط فى مصر؟. من
سؤال مكروه مكرور، يتكرر عادة فى كل حوارات البابا، والبابا لا يرد سائلًا، ويجيب بنص شبه محفوظ:
«بالكنيسة ما يسمى (العضوية الكنسية)، كل طفل يُولد فى دائرة الكنيسة يُسجل داخلها، كما تُسجل الوفيات والزيجات، وعدد الأقباط ١٥ مليون شخص، بنسبة ١٥٪ من سكان مصر، كما أن الأقباط خارج مصر ما يقرب من ٢ مليون شخص فى ١٠٠ دولة».
فى تقرير المركز الإعلامى لمجلس الوزراء، بعنوان «حلم المواطنة والوحدة الوطنية» ترجمة وطنية للرقم البابوى، الخزان البشرى القبطى يصب فى النهر الجارى، ويرفده بكفاءات وطنية مقدرة.
لم يعد مستساغًا فى الأدبيات الوطنية التفرقة العددية بين أغلبية وأقلية على أرضية دينية، مصر وطن يسع الجميع، ولكلٍّ موقعه المُقدَّر وطنيًّا.
بإرادة سياسية نافذة، لم يعد هناك منصب وطنى محرم على المجموع القبطى بغض النظر عن عدده، هرمنا حتى نرى تلك اللحظة الباهرة، المحروسة، وعلى مدار عقود، ظلت محرومة بفعل فاعل من إسهامات النابهين والمُجيدين من أقباط مصر، كانت المناصب تُجافيهم، والترشيحات تتجنبهم، خلفت غصة ومرارة فى الحلوق.
حتى كانت ثورة يونيو العظيمة، التى أعادت بعض الحق لأصحابه، وبإرادة سياسية تغلب الكفاءة دون الالتفات إلى خانة الديانة، صار للأقباط ما لنظرائهم المسلمين من حقوق وواجبات فى تجسيد لفكرة المواطنة الحقة.
تقرير مجلس الوزراء المهم يلفتنا إلى تعيين المستشار الجليل «بولس فهمى إسكندر» كأول مسيحى رئيسًا للمحكمة الدستورية العليا فى (فبراير ٢٠٢٢)، وكان الرئيس السيسى عند وعده بتغليب الكفاءة على ما سواها.
ولأول مرة، تشهد حركة المحافظين (٢٠١٨) تعيين (٢) من المسيحيين فى منصب المحافظ، وتولت الدكتورة «منال عوض ميخائيل» منصب المحافظ بمحافظة دمياط كأول سيدة مسيحية.
ولافت فى سياق تمكين الأقباط من حقوقهم زيادة تمثيل المسيحيين بمجلس النواب ليصبح عددهم (٣٧) نائبًا مسيحيًّا فى مجلس (٢٠٢٣)، بعد أن كان عددهم (٥) نواب مسيحيين فى مجلس الفرز الطائفى (عام ٢٠١٢)، وتجسيدًا للمواطنة، زاد تمثيل المسيحيين بمجلس الشيوخ، وأصبح عددهم (٢٤) نائبًا مسيحيًّا فى مجلس
(٢٠٢٣)، مقارنةً بـ(١٥) نائبًا مسيحيًّا فى مجلس (٢٠١٢) تحت سيطرة الإخوان والسلفيين.
ومن المفارقات التى تجلى روح المواطنة تنصيب النائبة «أمانى عزيز»، كأول مسيحية، فى منصب وكيل اللجنة الدينية فى تاريخ البرلمان المصرى (عام ٢٠١٥)، ومثلها تولى النائبة «فيبى جرجس» منصب وكيل ثان لمجلس الشيوخ (٢٠٢٠).
قطار المواطنة يغادر محطة «أول مسيحى» إلى محطة «المواطنة الكاملة» كدستور مؤسِّس للجمهورية الجديدة بإرادة مجتمعية تترجم إرادة سياسية نافذة.