كثيرًا ما أتردد على منطقة مصر القديمة، أو كما يسميها البعض مصر العتيقة، لأستمتع بمشاهدة آثارها، الإسلامية والمسيحية واليهودية، بالإضافة إلى بعض مواقعها الثقافية الحديثة، مثل المتحف القومى للحضارة المصرية وسوق الفسطاط للفنون والحرف اليدوية، وحديقة الفسطاط، ومنطقة الفخار، ومقياس النيل بجزيرة الروضة، وقصر المانسترلى، وقصر الأمير محمد على بالمنيل.
وفى إطار النشاط الثقافى والتنويرى الذى أهتم به، فإننى كثيرًا ما أصطحب طلاب الصحافة والإعلام إلى منطقة مجمع الأديان، الواقعة فى قلب مصر القديمة، فى رحلة ميدانية سنوية ذات طبيعة ثقافية، حيث نزور خلالها جامع عمرو بن العاص، وهو أول جامع فى مصر، وأقدم مسجد فى شمال إفريقيا، وقد تأسس عقب دخول العرب مصر، وحوله تأسست مدينة الفسطاط، ويشهد محاضرات ولقاءات دينية جماهيرية، وبالأخص خلال شهر رمضان المبارك، وإلى جواره تقع منطقة «السبع كنائس»، التى تضم الكنيسة المعلقة، التى تُعتبر واحدة من أقدم كنائس مصر، واسمها كنيسة السيدة العذراء مريم والقديسة دميانة.
وهى مبنية على برجين من أبراج حصن بابليون، ومن هنا سُميت «المعلقة»، وفيها استقر المقر البابوى حينما انتقل من الإسكندرية إلى القاهرة فى القرن السابع الميلادى، قبل أن ينتقل إلى حارة زويلة، فحارة الروم، فالأزبكية، ثم العباسية، وفى المنطقة أيضًا كنيسة أبوسرجة، (كنيسة القديسين سرجيوس وواخس)، التى أُقيمت فوق المغارة التى زارتها العائلة المقدسة (العذراء مريم والشيخ يوسف النجار والطفل يسوع المسيح)، ومكثت فيها لفترة من الوقت، وقد أصبحت مزارًا سياحيًّا عالميًّا، وهناك أيضًا دير مارجرجس للروم الأرثوذكس، ودير مارجرجس للراهبات، وكنيسة السيدة العذراء قصرية الريحان، وكنيسة مارجرجس، وكنيسة القديسة بربارة. وفيها يقع أيضًا معبد ابن عزرا اليهودى، وهو من أقدم المعابد اليهودية فى مصر، ويتبع حاليًا وزارة السياحة والآثار.
وفى تلك المنطقة يوجد المتحف القبطى، الذى تم افتتاحه عام 1910م بجهود كثيرين، يتقدمهم مرقس باشا سميكة، وتتميز واجهة المتحف بأنها تشبه واجهة جامع الأقمر بشارع المعز لدين الله الفاطمى، ما يعكس قيمة التسامح التى تتسم بها الشخصية المصرية، ودور الفن- المعمارى هنا- فى نقل قيمة التسامح وترسيخها بين الناس.
تقع منطقة مصر القديمة جنوب القاهرة، وتضم عدة أحياء، وفيها تقع ثلاث من محطات «مترو» الخط الأول، هى محطات الملك الصالح، ومارجرجس، والزهراء. ومن آثارها حفائر أطلال مدينة الفسطاط، وسور مجرى العيون، وعدد من الأديرة والمساجد والمزارات والمقابر.
على هذا الشكل، تعكس منطقة مصر القديمة روح التعددية والتنوع التى تتمتع بها مصر، وتُمثل واحدة من سمات قوتها الناعمة والذكية، ما جعلها منطقة جاذبة للسُياح من مختلف الجنسيات حول العالم، وممن ينتمون أيضًا لأديان مختلفة، الأمر الذى يدعونا إلى استثمار تلك المنطقة سياحيًّا على النحو الأمثل فى إطار خطة الدولة نحو تحقيق التنمية المستدامة فى مختلف المجالات والقطاعات حتى يحدث التواصل والعناق مرة ثانية بين المكان والزمان، ويعود الأبناء إلى التواصل مع حضارة الآباء والأجداد، التى اتسمت بالتجديد والإبداع والابتكار.
أعرف أن هناك جهودًا كبيرة وكثيرة تبذلها الحكومة لتطوير منطقة مصر القديمة بأحيائها المختلفة، على مستوى الاهتمام بتعبيد الطرق ورصفها وإقامة الكبارى لتسهيل حركة المرور وغيرها، لكن المنطقة تحتاج مزيدًا من بذل الجهد على مستوى الاهتمام بالنظافة والتجميل ورفع القمامة من الشوارع والحوارى، وألّا يقتصر الاهتمام على المنطقة السياحية، التى تقع فى محيط جامع عمرو بن العاص ومنطقة السبع كنائس، بل يمتد الاهتمام أيضًا إلى باقى الأحياء، ومن ذلك شوارع وحوارى منطقة الزهراء وعزبة خيرالله، الواقعة أعلى جبل المقطم، وغيرها.
وهنا، فإننى أتطلع إلى تشكيل لجنة دائمة تختص بتطوير مصر القديمة، تضم مجموعة من الخبراء فى مجالات تخطيط المدن والسياحة والآثار والثقافة والتربية والمجتمع المدنى، بالإضافة إلى أساتذة أكاديميين لدراسة المنطقة من الناحية الاجتماعية والعمرانية.. وأن تخرج تلك اللجنة بتوصيات ومقترحات خاصة بالتنمية والتطوير، يتم تنفيذها من خلال الشراكة والتشبيك والتعاون بين الجهات الحكومية وغير الحكومية، ومن ذلك المدارس والجوامع والكنائس ومراكز الشباب وقصور الثقافة والحدائق العامة والجمعيات والمؤسسات الأهلية.. للعمل على زيادة وعى المواطنين من الكبار والصغار وإدراكهم قيمة المكان وأهميته، وبصورة تخلق سلوكًا حضاريًّا.