تخوض مصر – لمن يعرف أو لا يعرف – منذ 7 أكتوبر الماضي حرباً سياسية ودبلوماسية من أجل الحفاظ على أمنها القومي، فالأمر أبعد من مجرد تغير نوعي قادته المقاومة الفلسطينية ضد دولة الإحتلال الإسرائيلي، وأعمق من حرب بربرية يخوضها الكيان الصهيوني ضد أهلنا في قطاع غزة، فما يجري على الأرض محاولة واضحة لتهديد الأمن القومي المصري، باستخدام «قوة السلاح» لإجبار الفلسطينيين على تنفيذ مخطط تهجيرهم إلى سيناء وتصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد، واللافت أن ذلك يتم تحت غطاء دولي تقوده أمريكا وبريطانيا، وبموافقة وتواطؤ دول عربية، دول كشفت الحرب الأخيرة مواقفها المساندة للصهيونية بلا مواربة.
هنا كان موقف مصر الرسمي واضحاً رغم الضغوط:
1- لا تصفية للقضية الفلسطينية.
2- لا لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء.
3- لن نسمح بخلق صدام مسلح بين الشعب المصري والأشقاء في فلسطين.
4- لن نسمح بالتنازل عن شبر واحد من أرض سيناء.
5- أي محاولة لفرض ذلك بالقوة ستكون نتيجتها إعلان مصر الحرب على إسرائيل.
التحدي الحقيقي أن تتمسك مصر بتلك المواقف حتى النهاية.. القاهرة منذ 7 أكتوبر وحتى الآن تخوض حرباً على كافة المستويات السياسية والدبلوماسية علاوة على التأهب العسكري المتواصل والاستعداد لخوض حرب جديدة مع إسرائيل في أي وقت .. ورغم دخول العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة شهره الثالث، مازالت مصر تتحرك على كافة الاتجاهات، في موقف قوي يحسب للقيادة السياسية برئاسة رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي، بالتنسيق الكامل مع القوات المسلحة المصرية، وفق محددات الأمن القومي، وهو ما دفع أغلب الشعب المصري عبر وعيه الشديد لمساندة قيادته السياسية وقواته المسلحة، وخرجت الملايين في مظاهرات واسعة دعماً للأشقاء في فلسطين وقضيتهم العادلة، وعبرت بوضوح عن مساندة قرارات القيادة السياسية الرافضة لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء وضد تصفية القضية الفلسطينية، يتزامن ذلك مع حرب شرسة ضد مصر تتم خلف الكواليس، حرب تحتاج فيها القيادة السياسية مساندة شعبية واسعة حتى تظل صامدة في مواقفها المعلنة.
الموقف المصري الذي لا يعرفه الكثيرون، لم يتوقف عند منع التهجير ورفض أن تكون سيناء وطن بديل للفلسطينيين، واهل غزة للأمانة يستحقون الإشادة برفضهم ترك بلادهم وأرضهم رغم الحرب الضارية، بل وجهت مصر رسالة واضحة مفادها: «أي محاولة لإجبار الفلسطينيين على دخول مصر، فإن القاهرة لن تشتبك مع الأشقاء الفلسطينيين بل سوف يكون ذلك بمثابة إعلان إسرائيل الحرب على مصر، وأن مصر سوف تدخل الحرب مباشرةً مع إسرائيل دون تراجع، وتم إبلاغ الأمم المتحدة وامريكا وعدد من الدول بذلك» .. بل وذهبت مصر بعيداً مهددة جيش دولة الإحتلال بأن أي محاولة للتهجير سوف يجد قواته في مواجهة الجيش المصري أقوى جيوش المنطقة، وهددت مصر وفق تقارير إعلامية بـ«أنها تمتلك من القوات والأسلحة ما يمكنها من فرض كلمتها بشكل لا يتوقعه أحد داخل إسرائيل وحلفاؤها».. تلك الرسالة وصلت واضحة وصريحة للجميع، وصلت في عدة مناسبات على لسان الرئيس عبدالفتاح السيسي عندما قال في القمة العربية الإسلامية في السعودية: «أن الحرب إذا إستمرت قد لا يتوقف أمدها عند قطاع غزة، وسوف تمتد لمناطق أخرى إذا لم يتم وقف إطلاق النار»، وما قاله في أحد المناسبات المحلية: «لن نسمح بتهجير الفلسطنيين إلى سيناء .. وهذا خطر أحمر لن نقبل تجاوزه».. وأيضاً في تصريحات الفريق أول محمد زكي وزير الدفاع والفريق أسامة عسكر رئيس أركان القوات المسلحة والسفير سامح شكري وزير الخارجية، هذا وغيره جعل الموقف الرسمي والشعبي في مصر يربح عدة نقاط أهمها:
1- تحول الدول الغربية من مساندة التهجير إلى رفض التهجير والتأكيد على أن الفلسطينيين سيظلون في غزة..
2- إدراك قوة وصلابة الموقف المصري وعودة القاهرة رقماً فاعلاً داخل الشرق الأوسط بعد سنوات من محاولة تهميشها لحساب دول عربية أخرى.
3- فرضت مصر حضورها رقماً فاصلاً في الأمن الإقليمي والأمن العالمي.
4- رفضت مصر إدارة قطاع غزة أمنياً، ورفضت أي تواجد لإسرائيل داخل قطاع غزة بعد الحرب، ورفضت وجود قوات دولية في القطاع واعتبرته إعادة احتلال، وقد تفهمت الدول الغربية والأمم المتحدة ذلك.
5- الموقف المصري الرسمي والشعبي أعاد الثقة بين المصريين والأشقاء في فلسطين بعد سنوات من سعي الكثيرين لضرب العلاقات التاريخية بين الشعبين.
6- عودة الثقة بين القيادة السياسية والشعب، وتأكيد أن الخلافات السياسية تتلاشى عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي المصري.
7- عودة بعض الدول العربية إلى صوابها، والتأكد أنه لا يمكن لأحد مزاحمة مصر في مكانتها ودورها الإقليمي.
هذه النقاط وغيرها منحت القيادة السياسية القدرة على التحرك بقوة لمواجهة الفساد في عدد من الملفات الداخلية والبداية بكشف قضية فساد داخل وزارة التموين والتجارة الداخلية تسببت في أزمة السكر وعدد من السلع الاستراتيجية، وسط توقعات أن مواجهة الفساد لن تتوقف عند هذا الملف، وسوف تمتد لعدة ملفات أخرى، خاصة بعد الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في الداخل أيام 10 و11 و12 ديسمبر الجاري، والاقرب للفوز بها وفق اغلب التقارير الرئيس عبدالفتاح السيسي بفارق كبير عن أقرب منافسيه بنسبة قد تتجاوز الـ 75% من الأصوات الصحيحة.
في الوقت الذي تتحدث إسرائيل أن الحرب في غزة قد تمتد لعام كامل، قال خبراء أن حماس لديها استعدادات لحرب تستغرق عامين، فينا جاءت تقارير دولية تشير إلى أن الضغط الشعبي الدولي، وبعض المؤسسات الرسمية وبعض الحكومات، قد يؤدي إلى وقف العدوان على غزة في مدة اقصاها من 15 إلى 25 ديسمبر الجاري عبر هدنة يتم تمديدها لأكثر من مرة تنتهي بوقف الحرب، وهذا يأتي بالتزامن مع مخاوف رسمية غربية خاصة في امريكا وفرنسا وبريطانيا من تفاقم التأثيرات السلبية للحرب في غزة على مستقبل قادة هذه الدول بعد تصاعد الرفض الشعبي لإبادة أهل غزة، وأبرز الأمثلة تراجع شعبية الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن وحزبه «الحزب الجمهوري» وفق استطلاعات الرأي في أمريكا قبل أيام من عام الانتخابات الامريكية يناير – ديسمبر 2024، وهو ما دفع الإدارة الأمريكية لمطالبة اسرائيل بوقف النار في موعد أقصاه اول يناير القادم، هذا وغيره يعكس أحد أبرز المكتسبات من الحرب الحالية، وهو «خلق جيل جديد على مستوى العالم» متضامن مع الحق الفلسطيني ويدرك صحة الرواية الفلسطينية، بعد عقود من تفوق الراوية الإسرائيلية المكذوبة وسيطرتها على «العقل الجمعي العالمي» خاصة «العقل الغربي» بسبب سطوة اللوبي الصهيوني في كافة المؤسسات داخل الدول الغربية، وسيطرة اليهود على وسائل الإعلام ومؤسسات المال والتعليم والقضاء والفنون والثقافة وغيرها، وفي مقدمة تلك الدول «امريكا وبريطانيا وفرنسا والمانيا وايطاليا وكندا….».
تأثيرات حرب غزة إذا انتهت في ديسمبر الحالي وفقاً للتقارير الدولية سيكون تأثيرها واسع على الكيان الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية ودول المنطقة خاصة مصر والأردن ودول الخليج العربي، ومحور المقاومة.
1- إسرائيل .. انتهى رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو سياسياً، وسوف يخرج من الحكومة عقب انتهاء الحرب فوراً، وكل ما يفعله حالياً ليس إلا محاولات يائسة لتحقيق أي انتصار يمنع محاكمته لكن ما يتكبده جيش الإحتلال الإسرائيلي من خسائر يجعل من محاكمة نتنياهو داخل المحاكم الإسرائيلية مسألة وقت، خاصة مع تحركات واسعة من خصومه السياسيين للنيل منه والاجهاز عليه نهائياً ليضمنوا خروجه من الحكومة بلا رجعة، لتتحول «صفقة القرن» من «حلم نتنياهو» للحصول على جائزة نوبل للسلام إلى «كابوس» الانتهاء السياسي والمحاكمة في إسرائيل، بل هناك حديث عن دعاوي سوف ترفع ضده في المحاكم الدولية كـ«مجرب حرب» نتيجة الإبادة الجماعية التي أمر بها داخل قطاع غزة.. وسوف يشهد كيان الإحتلال إنتخاب حكومة جديدة واختفاء اسماء سياسية من المشهد الإسرائيلي كأحد فواتير الحرب.
2- السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، أصبحت أقرب للرحيل من أي وقت مضى، هناك مطالب عديدة لانهاء حكم أبومازن، وسط توافق دولي وانفتاح فلسطيني لاختيار قيادة سياسية جديدة، لذا سوف تشهد الأيام القادمة إدخال تغييرات واسعة على السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، يبقى الاختلاف بين الأطراف حول اسم الشخص الذي سيقود السلطة الفلسطينية وفريقه المعاون، فقد تسربت خلال أيام الماضية عدد من الأسماء التي تحظى برعاية غربية وعربية لقيادة السلطة الفلسطينية وجاء الرد سريعاً من الشعب الفلسطيني بمكوناته المختلفة: «لن نقبل أية قيادات تأتي بالبارشوت برعاية دولية، وهناك توافق عام بين القاعدة الشعبية مفاده: «لن يحكم فلسطين إلا من دفع الفاتورة الوطنية وساهم في الكفاح الفلسطيني الثوري والمقاوم وشارك في ضريبة الدم الفلسطيني بعيدا عن أصحاب المكاتب المكيفة ومن يعيشون في عواصم غربية».. وأصبح العالم يدرك أن حماس وباقي الفصائل الفلسطينية حركات مقاومة تعمل لتحرير التراب الوطني وفق القانون الدولي، وليست حركات إرهابية كما يدعي الحلف الصهيوامريكي، بل أصبحت أنظمة عربية تدرك أهمية وجود المقاومة حتى لو اختلفت معها إيديولوجيا انطلاقاً من القاعدة الشعبية: «أنا واخويا على إبن عمي، وأنا وإبن عمي على الغريب».
3- وسط حملة تشكيك واسعة في القيادة السياسية المصرية خلال الفترة الماضية من أطراف عدة والحديث عن تورط مصر في خطة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، ورغم مواقف مصر الواضحة منذ 7 أكتوبر ضد هذه الخطة الصهيوامريكية يخرج كل يوم من يتهم مصر، فإذا انتهت حرب غزة دون تهجير الفلسطينيين، فإن الرئيس السيسي سيكون أكثر الرابحين خاصة على المستوى الداخلي، بدحض رواية خصومه بأنه ينفذ الخطة الإسرائيلية في المنطقة، ويكون حقق نصرا تاريخياً ينصفه ويثبت للجميع أنه ملتزم بمحددات الأمن القومي المصري، مما يعزز الثقة بينه وبين مكونات الشعب المصري، كما تربح مصر موقفاً تاريخياً يعيد لها حضورها السياسي والدبلوماسي على المستوى الإقليمي، ويثبت أن القوات المسلحة المصرية وأجهزة الأمن القومي المصري نجحت في إدارة أصعب موقف واجهته خلال العشر سنوات الأخيرة، ومواجهة خطة الشرق الأوسط الجديد وما يعرف بـ«صفقة القرن»، خاصة أن كافة التقارير تكشف أن مصر منذ 7 أكتوبر شكلت «مجلس حرب» يعمل على مدار الساعة وكافة الخيارات مطروحة وفي مقدمتها خوض حرب ضد إسرائيل في أي وقت، فمصر قالتها واضحة: «إذا اجبرتوا الفلسطنيين على اقتحام الحدود المصرية، فسوف نخوض حرباً مباشرةً مع إسرائيل».
4- ربحت الاردن موقف إيجابي لمساندة الشعب الفلسطيني، وربحت قطر دورا سياسياً جديداً، فيما خسرت دول خليجية خاصة الامارات والبحرين بمساندة كيان الإحتلال وترديد روايته، فيما لم تقدم السعودية ما هو مأمول منها وظهرت وكأنها تمسك العصا من المنتصف في خسارة كبيرة لا تتفق مع ثقل بلاد الحرمين الشريفين التي كان يرى المسلمون في العالم أنه كان يجب على المملكة مساندة المقاومة الفلسطينية دون قيد أو شرط، لكن يبدو أن ما حدث افسد خطة السعودية لركوب قطار التطبيع، فذهبت إلى الهجوم على حركة حماس واتهامها بأنها تعمل لصالح إيران الخصم الأبرز للمملكة العربية السعودية خلال العقود الأخيرة، بينما تتراوح مواقف باقي الدول العربية بين التنديد والصمت والانشغال بالداخل المتأزم.
5- مواقف إيران وحزب الله وسوريا من الحرب على غزة اثبت أن الحديث عن وحدة جبهات المقاومة مجرد حديث للاستهلاك الإعلامي محلياً ودولياً، باستثناء موقف الحوثيين، تركت فصائل المقاومة الفلسطينية بمفردها تواجه إسرائيل ومن خلفها أمريكا وكافة دول الغرب، اللافت أن المقاومة الفلسطينية لم تكن تراهن على باقي الجبهات، ويبدو أنها كانت تدرك أن الحسابات الخاصة هي من تحرك هؤلاء، وهو ما يفسر ما أعلن منذ بداية الحرب أن حركة حماس قامت بعملية 7 أكتوبر دون تنسيق مع أحد من جبهات المقاومة.. وفي هذه الحرب نستطيع أن نقول بوضوح انكسرت وحدة جبهات المقاومة حتى الآن ولا ندري ما هو الموقف في قادم الأيام
العالم والمنطقة بعد 7 أكتوبر 2023 تختلف تماماً عما قبل هذا التاريخ، ويبقى شهر أكتوبر مجدداً مناسبة لانتصار العرب على إسرائيل، والواقع يقول إرادة الله نافذة مهما كانت مخططات البشر، وأن إرادة الله فوق مخططات «المنظومة السرية.. الصهيوشيطانية» .. فقد يكون لدى إسرائيل معلومة من مصادرك: «حماس سوف تقوم بعملية ضد إسرائيل» ولا تصدقها ولا تعمل لها حساب مثلما حدث في أكتوبر 1973، لتصبح القاعدة: «ليس كل من لديه المعلومة يدرك قيمتها.. فإذا كان امتلاك المعلومة مهم جداً فإن التعامل معها شديد الأهمية» .. وهو ما يجيب على السؤال الذي يردده خصوم المقاومة طوال الشهرين الماضيين: «لماذا دخلت حماس تلك المعركة غير المتكافئة والتي كانت نتيجتها ما نشاهده من دمار قطاع غزة واستشهاد أكثر من 18 ألف وإصابة أكثر من 50 ألف والإعداد في ازدياد مستمر؟! .. والإجابة ببساطة لأن حماس والفصائل الفلسطينية امتلكت المعلومة الأهم: «اسرائيل سوف تشن حرب إبادة جماعية ضد قطاع غزة لتنفيذ خطة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وسوف يتم ذلك بغطاء دولي واسع» .. للتعامل مع تلك المعلومة قررت حركة حماس أن تقوم بعملية هجومية استباقية لا تمنع الحرب ولكن تمنح المقاومة المبادرة، وامتلاك أسرى إسرائيليين المقايضة بهم، والأهم السيطرة على مراكز الشباك والموساد والحصول على ما بها من معلومات، وفق قاعدة: «من يمتلك المبادرة يكون صاحب القرار الأقوى.. اتغدت حماس بإسرائيل قبل ما يلتهم الجيش الصهيوني قطاع غزة» .. وهو ما غير حسابات المعركة كاملة وجنن تل أبيب وواشنطن ولندن وعواصم الغرب .. من الذي سرب الخطة؟! ومن وضع الخطة المضادة لحركة حماس؟! وكيف استطاعت حماس والمقاومة هزيمة الكيان الإسرائيلي حتى الآن؟! كيف أجبرت أمريكا على دخول الحرب بشكل مباشر؟! وما هي الخسائر التي تواجهها أمريكا على كل المستويات في غزة حيث أن السلاح أمريكي والقوات أمريكية والتخطيط والتنفيذ بمعرفة العسكريين الأمريكتين بعدما استسلمت تل أبيب بعد أيام من العدوان وهو ما يفسر استخدام واشنطن حق الفيتو على مدار ثلاثة أشهر لمنع وقف النار، وفقاً لتقارير عديدة أن أمريكا هي من تقاتل في غزة إلى جانب إسرائيل بعدما تكبدت تل أبيب خسارة هي الأصعب منذ عقود طويلة.. تحاول واشنطن إنقاذها على مدار شهرين دون جدوى.
الواقع أن خسائر إسرائيل ليست الأرقام المعلنة من جانب الكيان، التقارير تشير إلى أن عدد القتلى من إسرائيل نحو 7000 قتيل، وأكثر من 5000 جريح إضافة إلى مئات الأسرى أغلبهم عسكريين، علاوة على أن الفلسطينيين نجحوا في القضاء على مقولة: «الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر» كما فعل المصريون في أكتوبر 1973، وما تبعه في تأثير سلبي واسع على العقيدة القتالية لقوات جيش الاحتلال التي انسحب الكثير من عناصرها الحرب ورفضوا الإستمرار فيها، علاوة على هجرة نحو 450 الف إسرائيلي يملكون جنسيات أخرى إلى بلادهم الأصلية وتركوا كل المغريات في الكيان المحتل، ورفضوا الإستمرار في دولة لم تعد توفر لهم الأمان، حيث أن الأمن كان أحد الأسباب التي تستخدمها إسرائيل في جذب المهاجرين اليهود من مختلف أنحاء العالم، وهو خطر كبير على الكيان الذي فقد نحو 15% من سكانه، في المقابل برز تمسك الفلسطينين بارضهم رغم الإبادة الجماعية والدمار واستخدام العدو الصهيوامريكي أسلحة محرمة دولياً، وإذا قارنت صور هروب الإسرائيليين مزدوجي الجنسية مع تمسك الفلسطينين ببلادهم، وهنا تتكشف الحقيقة: «صاحب الأرض يواجه الموت بصدر عاري، ومغتصب الأرض هرب إلى بلده الأصلية مع أول طلقة بارود».
يتساءل البعض على مدى قدرة حماس وفصائل المقاومة الاستمرار لفترة طويلة في مواجهة الكيان الصهيوني خاصة في حالة تمديد الحرب؟! .. والواقع أن هناك مطلعون أكدوا أن حماس مستعدة لحرب يصل أمدها لعامين، وأن الحركة تمتلك رؤية لمختلف السيناريوهات الإسرائيلية، وهو عكس ما يتحدث عنه رافضي المقاومة، وتكشف تقارير أن مصادر تمويل ودعم المقاومة أكبر بكثير مما هو معلن وما هو معروف، وأن الكواليس تشهد الكثير من التقاطعات بعيداً عن التحالفات المعلنة.. فالصديق قد لا يكون صديق .. والعدو قد تفاجئ بأنه صديق غير معلن .. والصامت يتحرك في الخفاء بقوة وحسم .. والرافض تجده يقبل ما يرفضه .. العالم لا يدار بالتصريحات العلنية التي تقدم للجماهير.. العالم يدار بما يجري في السر، وتحكمه تفاهمات قد لا يستطيع أكثر اللاعبون تحمل فاتورة إعلانها.. لذا دعونا نترقب وننتظر، فليس كل ما يعرف يقال.. وليس ما يقال هو كل الحقيقة.. الكواليس تحمل الكثير .. يا عزيزي «للحقيقة وجه واحد مهما حاولوا يلبسوها 100 قناع».