كتبت قبلا عن كيف تناول العقل المصرى القضية الفلسطينية بأبعادها المختلفة. وقد حرصت فى هذا المقال على تذكر عدد غير قليل من النخبة الفكرية والثقافية والدينية المصرية على اختلاف انتماءاتها الفكرية والسياسية والدينية حيال قضية حظيت بمركزية ومحورية فى الفكر السياسى المصرى والعربى على السواء…
وتصادف أن قرأت أكثر من مقال حول موقف المسيحيين عموما مما يجرى فى غزة على يد المحتل، وقبل يومين قرأت مقالا للأستاذ إسحق إبراهيم، أحد الباحثين الشباب المتميزين، كتب مقالا بعنوان: «المسيحيون والموقف من فلسطين»، يعلق ويحلل فيه حول ما تردد حول ردة فعل المسيحيين من الحرب الدائرة الآن.
أعجبنى فى العموم ما حاول أن يدحضه الباحث على عدة مستويات: أولهما رصده للبيانات الكنسية التى صدرت وتقييمها، وتذكيره بموقف البابا شنودة بهذا الصدد. ثانيها: حاول ان يحلل السياق السياسى الحالى بتعقيداته التى دفعت بالتساؤل حول الصوت المسيحى. ثم أخذ يستعيد بعض المواقف التاريخية حول القضية الفلسطينية مسكونية وعربية. ثالثها: حاول أن يحرر النظرة إلى المواطنين المسيحيين باعتبارهم «طائفة دينية» لها موقف واحد. إذ إن المصريين المسيحيين يتنوعون فى مواقفهم السياسية حسب توجهاتهم الفكرية والسياسية.
وربما يكون من الواجب فى لحظة تاريخية فارقة كما كتبنا قبل شهر عقب انطلاق الطوفان، أن نشير إلى عدة أمور حول موقف النخبة القبطية: الفكرية/السياسية والدينية من القضية الفلسطينية وما يتبعها من ملفات: القدس، وإسرائيل، والصهيونية…خاصة أن المقال المذكور لم يلق الضوء عليها بتنويعاتها فى الماضى والحاضر، حيث ألقى الضوء على أصوات عربية ومسكونية فقط ولم يشر للاجتهادات المصرية قط اللهم البابا شنودة. بداية لابد من التنويه أنه ولأسباب علمية حرصنا على وضع تصنيف يلقى الضوء على هؤلاء المصريين المسيحيين من المفكرين والسياسيين من مختلف الاتجاهات والتيارات التى اجتهدت فى هذا المقام وتمثل تجسيدا سياسيا ومدنيا لممارسة المواطنة، بغض النظر عن الانتماء الدينى فى التعبير عن مواقفها الفكرية والسياسية والتى يمكن أن تتلاقى مع المصريين المسلمين من المفكرين والسياسيين. وفى هذا المقام يمكن رصد آخرين يغردون خارج السرب من المسلمين والمسيحيين. أما عن النخبة الدينية فظنى أن هناك ثوابت لا يمكن التنصل منها لأسباب لاهوتية وعقائدية تجعلهم يلتزمون بموقف حاسم حيال كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
وفى المحصلة فإن إجمالى الموقف النخبوى المصرى المسيحى المدنى/الدينى أظنه يمثل ما يمكن أن نطلق عليه بلغة الحاسوب: جدار حماية Fire Wall، لا يمكن الفكاك منه لأنه مؤسس على وقائع التاريخ وحقائق الجغرافيا وصراعات السياسة والدين ومؤامرات الاستعمار. وقد بدأ تأسيس جدار الحماية التاريخى فى عام 1966الذى أخذ يعلو مع مرور الوقت، حيث مر بمرحلتين هما: مرحلة الحروب، وثانيا: المرحلة السلامية…
بالنسبة للمرحلة الأولى فلقد صبت الاجتهادات فى التأصيل الوطنى الفكرى واللاهوتى تجاه إسرائيل في: أولا: إسرائيل فى نظر المسيحية للبابا شنودة ــ 1966، ثانيا: الكنيسة المصرية تواجه الاستعمار والصهيونية للدكتور وليم سليمان قلادة ــ 1966، ثالثا: إسرائيل فى التوراة والإنجيل للدكتور مراد كامل ــ 1967، رابعا: ما وراء خط النار للأب متى المسكين ــ 1967، خامسا: الماركسية والدولة الصهيونية للمفكر اليسارى الأستاذ أديب ديمترى 1970، سادسا: معنى إسرائيل فى الكتاب المقدس للدكتور كمال رمزى استينو ــ 1971، سابعا: الكنيسة والمعركة: مجموعة مساهمات للنخبة الدينية والمدنية (مثل الأنبا صموئيل، والصحفى الشهير فوميل لبيب، والوزير ألبرت برسوم سلامة، والأنبا باسيليوس مطران القدس آنذاك، والوزير إبراهيم نجيب) جمعها دكتور يوسف خليل يوسف ــ 1973، ثامنا: كتابان للأنبا غريغوريوس نشرا فى شهرى أكتوبر ونوفمبر 1973 بعنوان: الكنيسة ومزاعم إسرائيل السبعة وإسرائيل فى الميزان من منظار مسيحى، تاسعا: إسرائيل حقيقتها ومستقبلها للأنبا يؤانس مطران الغربية الراحل ــ 1973، عاشرا: من هم بنو إسرائيل للدكتور ميشيل فرح ــ 1974، حادى عشر: اليهود واليهودية للدكتور موريس تاوضروس ــ 1974، ثانى عشر: موقف الكنيسة المصرية من إسرائيل والصهيونية للصحفى اليسارى الأستاذ مجدى نصيف ــ 1975.
أما بالنسبة للمرحلة الثانية؛ وفى ظل الانخراط العربى فى العملية السلامية، فلقد تم التركيز على قضية القدس من جهة وما جد من إشكاليات تتعلق بالصراع العربى الإسرائيلى بفعل الصهيونية المسيحية (لا نفضل استخدام تعبير المسيحية الصهيونية) واليمين الدينى فى الولايات المتحدة الأمريكية والمسيحية المتهودة فى تأجيج الصراع وتهميش القضية الفلسطينية لصالح إسرائيل…وفيما يلى بعض من الاجتهادات التى أبدعتها النخبة القبطية: المدنية والدينية؛ منذ تسعينيات القرن الماضي…
أولا: هل دولة إسرائيل الحديثة تحقيق لنبوءة كتابية؟ نص منشور عن دار الثقافة الجديدة الإنجيلية ــ 1991، ثانيا: المسيحية والحرب للدكتور رفيق حبيب ــ 1991، ثالثا: القدس المسيحية منذ القديم وإلى اليوم للأنبا غريغوريوس ــ 1992، رابعا: الاختراق الصهيونى للمسيحية للقس الدكتور إكرام لمعى 1993، خامسا: القدس للأستاذ نبيل نجيب سلامة ــ 1994، سادسا: رؤية مسيحية للعهد القديم وإسرائيل ملف دراسى للمركز القبطى للدراسات الاجتماعية من إعداد اللاهوتى الدكتور جوزيف موريس فلتس ــ 1997، سابعا: القدس وبيت لحم للدكتور ميخائيل مكسى إسكندر ــ 1999، ثامنا: الإنجيليون العرب والصهيونية للدكتور القس مكرم نجيب ــ 1999، تاسعا: فلسطين …لمن؟ للدكتور أنطون يعقوب ميخائيل ــ 2000، عاشرا: دحض الأساطير الإسرائيلية تاريخيا وفلسفيا وآبائيا للدكتور حنا جريس ــ 2002، حادى عشر: القدس المكانة المقدسات الإشكاليات لسمير مرقص ــ 2002، ثانى عشر: الصهيونية ذات التوظيف المسيحى لسمير مرقص ــ 2003،…،إلخ…ونتابع.