بالفعل يحتاج الأمر إلى وقفة مع الصديق الأمريكى خلال المرحلة المقبلة، وإعادة صياغة العلاقات العربية- الأمريكية التى مرت بمراحل كثيرة من الصعود، والهبوط، والتعاون، والعداء، وذلك على مدى أكثر من ٧٥ عاما حتى الآن.
قبل أن تتراجع القوتان الأعظم (إنجلترا، وفرنسا) فى الأربعينيات عن مكانتهما، وظهور القوتين الأعظم الجديدتين (أمريكا، والاتحاد السوفيتى) فى الخمسينيات- كان مسار العلاقات العربية – الأمريكية غير واضح بسبب الاحتلال الإنجليزى، والفرنسى للمنطقة، ثم نشأت علاقات متوازنة فى الخمسينيات، لتتحول بعدها إلى علاقات عداء فى الستينيات حتى نهاية حرب أكتوبر بسبب الدعم الأمريكى الأحمق لإسرائيل، لتبدأ مرحلة جديدة بعد ذلك فى منتصف السبعينيات، قوامها التعاون، والشراكة للبحث عن السلام فى المنطقة.
المثير فى الأمر أنه رغم علاقات الشراكة الإستراتيجية بين معظم الدول العربية وأمريكا، منذ الثمانينيات حتى الآن لم تتراجع أمريكا عن التأييد الأعمى، والمطلق لدولة إسرائيل فى كل المراحل، وتُصر على مساندتها، والدعم اللا محدود لها، وهو ما يحدث حتى الآن.
بالعودة إلى اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل فقد نتج عنها قيام أمريكا بتقديم دعم سنوى لمصر (عسكريا، واقتصاديا) بمبلغ ١٫٣ مليار دولار، فى حين تحصل إسرائيل على أكثر من ٣ مليارات دولار سنويا، وهى «حسبة جائرة» مقارنة بعدد السكان، وتؤكد مدى الانحياز الأعمى لإسرائيل، رغم أن مصر صاحبة مبادرة السلام، والداعية إليها، وكان الأولى أن يكون حجم الدعم أكبر لمصر، أو على الأقل يكون دعما متوازنا للطرفين.
أمريكا تساند إسرائيل أولا، ثم تنظر بعد ذلك إلى بقية الخريطة، وهو مفهوم لابد أن يتغير، ولن يحدث ذلك إلا بإرادة عربية، ووقفة طويلة، ومعمقة مع الصديق الأمريكى على كل الأصعدة، بدءا بالمراكز البحثية، ومرورا بالمجتمع المدنى، وانتهاء بالقادة، والزعماء، والحكومات من كل الدول العربية بلا استثناء.
نعم أمريكا دولة قوية، ومؤثرة، وتجاهلها خطأ فادح، لكن الأخطر أن يستمر هذا الخلل الهيكلى الرهيب فى مسارات العلاقات الأمريكية – العربية- الإسرائيلية، وبالتالى فلابد من إعادة صياغة العلاقات برؤية جديدة، وواضحة حتى لو أدى ذلك إلى فك الارتباط العربى- الأمريكى على المدى الطويل.
من حُسن الطالع أن العالم الآن يتجه إلى تعددية الأقطاب، وانتهاء عصر القطب الواحد، بعد ظهور قوى دولية مؤثرة، وقوية فى الساحتين الاقتصادية، والعسكرية مثل الصين، وروسيا، وكذلك وجود كيان مثل الاتحاد الأوروبى، رغم أنه لايزال تابعا لأمريكا، إلا أن ذلك مرشح بقوة للتغيير خلال المرحلة المقبلة، خاصة بعد انتهاء الحرب الروسية- الأوكرانية.
أفعال الصديق الأمريكى مع العدو الإسرائيلى تضعه فى خانة «العدو» أيضا لأنه هو حامى الحمى، والمساند، والمدافع الأكبر عن العدو الصهيونى الذى يقوم بأكبر مجزرة فى تاريخ البشرية فى الأراضى الفلسطينية برعاية أمريكية كاملة.
هل يفوق العرب قبل فوات الأوان، وتكون هناك وقفة جادة، وواضحة المعالم مع الصديق الأمريكى لإعادة ترسيم العلاقات العربية- الأمريكية- الإسرائيلية من جديد، بما يؤدى إلى رؤية واضحة المعالم لضمان السلام العادل، والدائم فى المنطقة ورفع الغطاء عن العدو الإسرائيلى مستقبلا؟!