شارك الأب جوفاني قاصد خير، نائب راعي كاتدرائية القديس مار مرقس الرسول للأقباط الكاثوليك، بوفد يمثل الكنيسة القبطية الكاثوليكية في مؤتمر حزب حماة الوطن الذي أقيم في شرم الشيخ يوم الثلاثاء الموافق 28 نوفمبر 2023.
وخلال كلمته في المؤتمر، ألقى الأب جوفاني الضوء على هوية الكنيسة الكاثوليكية وأصالتها في مصر، مؤكدًا على دورها الاجتماعي والإنساني الذي يتجاوز الحدود الدينية. كما حث الشعب المصري بكل تنوعه على القيام بدوره الوطني بحرية خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وأضاف الأب جوفاني أن الكنيسة القبطية الكاثوليكية تؤمن بالمشاركة الوطنية والوحدة الوطنية، وأنها تعمل على تعزيزهما من خلال أنشطة مختلفة، منها:
تقديم الخدمات الاجتماعية للفئات المحتاجة، مثل التعليم والرعاية الصحية. والعمل على نشر السلام والتسامح بين مختلف الطوائف الدينية والثقافية. والمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.
وتأتي مشاركة الكنيسة القبطية الكاثوليكية في مؤتمر حزب حماة الوطن في إطار تأكيدها على دورها الوطني ومساهمتها في بناء مصر الحديثة.
كما شاركت رعية الأقباط الكاثوليك في شرم الشيخ في المؤتمر، حيث تمثلوا ببازيليك العذراء سيدة السلام. وتأتي هذه المشاركة تعبيرًا عن التواصل والتضاف الجهود بين الكنيسة القبطية الكاثوليكية والحكومة المصرية لتعزيز المشاركة الوطنية والوحدة الوطنية.
وأكد الأب جوفاني قاصد خير أن مشاركة الكنيسة القبطية الكاثوليكية في المؤتمر تأتي في إطار التزامها بدعم بناء مصر الحديثة، وأنها ستستمر في العمل على تعزيز دورها الوطني ومساهمتها في تحقيق التنمية الشاملة للبلاد.
وجاء بنص الكلمة:
باسم الله القويّ
السَّادةُ مسئولو الدَّولةِ الكِرام: معالي الوزراء السَّيِّدُ المُحافِظُ، ومُعاوِنُه أصحابُ الفضيلةُ: وَكيلُ وَزَارُة الأوقاف، وشَيْخُ الأَزْهَر، ومُعاونيهم، الأفاضل أُمناء حزب حُماة الوطن، ومُعاونيهم، الأفاضل شيوخ وآباء القبائل السينائيّة
الأفاضِلُ آباءُ الكنيسةِ القبطيّةِ الأرثوذُكسيّة، وشيوخُ الكنيسةِ الإنجيليّة.
الحُضورُ الكريم
سَلَامُ اللهِ مَعَ جَمِيْعِكُم
ذلك السَّلامُ الّذي نسعى إليه دائمًا، مُجاهدينَ في هذه الحياةِ، لنكونَ أدواتِ سلامٍ، نُحققُ به ملكوتَ اللهِ على الأرضِ. ذلك الملكوتُ الّذي لا عَلاقَةَ به بالملكوتِ الدُّنيوي، مِن مسعًى لسُلطاتٍ دُنيويّةٍ أو رئاساتٍ بشريّةٍ؛ بل كما يقولُ السَّيِّدُ المسيحُ، في الإنجيلِ بحسبِ القدِّيسِ مَرقُسَ الرَّسول، مُبشِّرِ بَلَدِنَا الحبيبةِ مِصر: «تَعلَمونَ أَنَّ الَّذينَ يُعَدُّونَ رُؤَساءَ الأُمَمِ يَسودونَها، وأَنَّ أَكابِرَها يَتَسَلَّطونَ علَيها. فلَيسَ الأَمرُ فيكم كذلِك. بل مَن أَرادَ أَن يَكونَ كَبيراً فيكم، فَلْيَكُنْ لَكُم خادِماً.» (مر 10/42-43)، فالمقصود بهذه الآيات، هو التَّأكيدُ على أنَّ السُّلطةَ هي خدمةٌ، هي مسئوليّةُ حبٍّ وعطاءٍ.
لذا ملكوتُ اللهِ في مَفْهُومِ الكنيسةِ القبطيّةِ الكاثوليكيّةِ، هو ملكوتُ حياةِ الإخاءِ والمُساواةِ والإنسانيّةِ المُتبادَلة، ملكوتُ الفضائلِ النّبيلةِ، ملكوتُ الرَّحمةِ الإلهيّةِ، ملكوتُ المحبَّةِ، ملكوتُ الحضورِ الإلهيِّ في كُلِّ شخصٍ على الأرض، هُنا والآن. هذا هو الملكوتُ الّذي تَصْبُو الكنيسةُ إليه، ملكوتٌ روحيٌّ يجعلُ مِنَ الإنسانِ أداةَ صُنْعِ سلامٍ بينَ البشر، أداةَ رخاءٍ واطمئنانٍ، أداةَ مُصالحةٍ، أداةَ حُبٍّ يَشْمَلُ جميعَ البشرِ، في الله المحبّة، داخلَ وطنٍ أرضيٍّ، يُحقَّقُ فيه هذا السَّلام.
الحضورُ الكريم، كلِمَتي اليومَ معَكُم، لبثِّ روحِ الرَّجاءِ والمحبّةِ والثِّقةِ، من خلالِ فِعْل المُواطَنةِ الأمينِ، ذلك الفعلُ الّذي يتطلَّبُ مِنْ كُلِّ فردٍ منَّا: الحُضورَ الفعَّالَ، والمُشاركةَ المَسؤولةَ في كُلِّ مناحي الحياةِ، والاستجابةَ السَّريعةَ الواعيةَ لمُتطلِّباتِ المُجتمعِ الّذي نعيشُ ونتحرَّكُ ونُوْجَدُ فيه ليكونَ بُرهانَ سلامِنا، الّذي نسعى إليه جميعًا.
فعلُ المواطنةِ يتطلَّبُ مِنا، كما ذكرتُ سابقًا، الحُضورَ الفعَّالَ، والمُشاركةَ المسؤولةَ، والاستجابةَ السّريعةَ الواعيةَ.
الحُضورُ الفعَّالُ يختلِفُ عن الوجودِ، فالطيورُ موجودَةٌ في السَّماء، لَكِنَّها لَيْسَت حَاضِرَةً الآنَ مَعَنا في هذا المَحْفَلِ. وعليه فأعني بالحُضورِ هو وجودُ الشَّخصُ في المكانِ والزَّمانِ المُناسِبَيْنِ، حيثُ الخدمةِ والعملِ مع الآخرِ، اتَّفَقَ أو اختَلَفَ مَعَهُ. والمقصودُ بالفعَّالِ، هو العملُ المؤثِّرُ إيجابيًّا في المُحيطِ المُتواجِدِ به.
وهذا ما تقومُ به الكنيسةُ القبطيّةُ الكاثوليكيّةُ في بلدِنا جميعًا، مِصرَ المحبوبةِ، مُنذُ مَهْدِ وبدايةِ المسيحيَّةِ في مِصرَ على وجهِ الخُصوصِ، والعالَمِ أجمع على وجهِ العُموم، من خلالِ دورِها المُجتمعيِّ: مِن كنائسَ ومدارسَ ومُستشفياتٍ ومؤسساتٍ تنمويَّةٍ وجمعيَّاتٍ خيريَّةٍ، … وإلى آخره مِن خدماتٍ مُجتمعيّةٍ وروحيّةٍ ودُنيويّةٍ.
لذا فالكنيسةُ القبطيّةُ الكاثوليكيّةُ، كنيسةٌ قبطيَّةٌ وطنيَّةٌ وُجِدَتْ بوجودِ المسيحيّةِ، في مِصرَ والعالمِ أَجْمَع، فهي الخميرةُ في العجينِ، الّذي به ينمو المُجتمع. هي المِلْحُ في الطَّعامِ، الّذي به يُذاقُ للمُجتَمَعِ طعمٌ. هي النُّورُ للعالمِ أجمع.
وعليه، يتطلَّبُ الحُضورُ الفعَّالُ المُشاركةَ المسؤولةَ، في كُلِّ مناحي الحياة، ليُفعَّلَ أَثَرُها داخلَ المُجتمعِ. فبدونِ مُشاركةٍ لا يَتَحَقَّقُ الفِعلُ، بل أقول لكم: “لا تَتَحَقَّقُ الحُرّيّةُ”. فالمُشاركةُ هو تحقيقُ حضورِ الإنسانِ بجُملَتِهِ في المُجتمعِ، الّتي منها: أقوالُه وأفعالُه، يُعبِّرُ حضورُها عَنْ مَدى حُرِّيَّةِ صاحِبها بمُشَارَكَتِهِ معنا بها.
فالإنسانُ الَّذي لا يُشارِكُ بحياتِه الآخرينَ، يفقِدُ رُويدًا رُويدًا حضورَه، بل كِيَانِهِ كإنسانٍ حيٍّ له حقوقٌ وعليه واجباتٌ، فكما يقولُ الكِتابُ المُقدَّسُ: «أَنَّ كُلَّ مَن كانَ له شَيء، يُعطى فيَفيض. ومَن لَيسَ له شيء، يُنتَزَعُ مِنهُ حتَّى الَّذي له.» (مت 25/29). فالمُشاركةُ هي الموهِبَةُ والنِّعمَةُ والمسئوليَّةُ والوَزنَةُ الّتي على الإنسانِ استثمارُها داخِلَ وطَنِهِ. المُشارَكةُ هي تعبيرٌ عن حُضُورِكَ أَنْت. لذا تؤكِّدُ وتدعو الكنيسةُ القبطيّةُ الكاثوليكيّةُ على أهمِّيَّةِ المُشاركةِ في الانتخاباتِ المُقْبِلة، لتؤكِّدَ على حُرِّيَّةِ المواطِنَ، كتعبيرٍ عن مسؤوليّتِه تُجاهَ وطنِه مِصرَ.
لذا على الشَّعبِ المِصريِّ الاستجابَةُ السَّريعَةُ الواعِيَةُ لنداءاتِ الوَطنِ. ذلك النِّداءُ المُلِّحُ، اليومَ عن غيرهِ، لاستقرارِ وأمنِ بَلَدِنا الحبيبَةِ مِصرَ. فلا تَباطؤَ ولا تَخاذُلَ، بل بوعيٍ كامِلٍ، وإرادةٍ حُرَّةٍ، يؤدِّي بها المواطِنُ المِصريُّ حقَّهُ المشروعَ له، ويُطالِبُ، باختياراتِه الحُرَّةِ، مسؤوليهِ بحقوقِه، بل وما يُزادُ على المواطِنَ مِنْ قيامٍ بدورِه في رِفعَةِ هذا البَلدِ ورُقيِّهِ، راجيًّا النِّمُوَّ والرَّخاءَ والازدهارَ، واثِقًا في اللهِ وفي قياداتِه، مُحِبًّا لوَطَنِهِ، مُخلِصًا له، عامِلًا على استقرارِه ونجاحاتِه، لتكون مِصرَ آيةً لكُلِّ بُلدانِ العالمِ، ملجأً حصينًا بحُبِّ بعضُنا بعضًا.
في الخِتامِ، أشكُرُكُم على دَعوَتِكُم وإصغائِكُم، وأُصلِّي لبَلَدِنَا الحبيبةِ مِصرَ، لتكونَ سفيرةَ سلامٍ للعالمِ أجمع، مَنارةً في العِلمِ والقيادةِ والحَضارةِ. وأيضًا أُصلِّي لرئيسِها الحاليِّ، فخامَةِ الرئيس/ عبد الفتَّاح السيسي، ليحفظَه الله بسلامٍ وعَدْلٍ، ولتَخضَع لَهُ كُلَّ الأُممِ الّذين يُريدون الحَرْبَ في جميعِ ما لَنا مِنَ الخِصبِ، وليتكلَّمَ اللهُ في قلبِه مِن أجلِ السَّلامِ والوَحدةِ، وليُعطِه اللهُ أن يُفكِّرَ بالسَّلامِ في شعبِ مِصرَ الأبيِّ، لكي نحنُ أيضًا نوجَدُ في كُلِّ تقوًى وعَفافٍ ومحبَّةٍ وإخاءٍ وسلامٍ، آمين.
تحيا مِصر، تحيا مِصر، تحيا مِصر.
شُكرًا لمحبَّتِكُم ودعوَتِكُم وإصغائكم