نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه» نسبت هذه القاعدة بالخطأ إلى مرشد الإخوان «حسن البنا»، والثابت أنها من بنات أفكار العلامة «رشيد رضا»، صاحب مجلة «المنار» المندثرة.
قاعدة (ويعذر بعضنا بعضا..)، ربما تصلح لِلَجم (حملة التخوين) التى صاحبت الحرب على غزة، فطفق البعض يخون البعض، على طريقة بعضى يمزق بعضى، وتطايرت الاتهامات الصاروخية لتصيب رؤوسا قد أينعت.
مصر الكبيرة وطن يتسع لقول (لا).. و(لا) الوطنية تشحذ قول (نعم) الوطنية، تسمو بها فوق الثارات التاريخية والحزازات التى خلفتها الحرب الإسرائيلية البربرية.
لا تستقيم (نعم) دون استصحاب (لا)، و(لا) ليست رجسًا من عمل الشيطان، بل واجب وطنى يستبطنه المعارض الشريف، ويعبر عنه بفخر واعتزاز بمصريته التى مكنته من قول (لا) فى وجه من قالوا (نعم).
تقبيح (لا) ورميها بكل نقيصة لا يستقيم وطنيًا، كما أن تقبيح (نعم) ورميها بكل هذا الحقد والكراهية ليس من الوطنية فى شىء.. هذه بضاعة الإخوان.. للأسف، انفجرت كعبوة ناسفة فى وجوهنا.
فارق كبير أن تقول (لا) ويتسع صدرك وعقلك لقول (نعم)، أو تزفرها (لا) حمما فى وجوه من قالوا (نعم).. فارق أن تقول (نعم) وتحترم من قالوا (لا) وتثنى على قول (لا) وما يعتقدون.
درس الماضى القريب يؤشر على إمكانية التفاعل السياسى الحميد بين (لا.. الوطنية) و(نعم.. الوطنية)، فى حوار وطنى على أرضية وطنية صلبة، لا تُجنب المختلف وتقصيه، ولا تزدرى المؤيد وترميه بالنقيصة أو تعيب عليه.. لكلٍّ مكانٌ فى وطنه.
ما بال المجترئ ظلمًا وعدوانًا على أصحاب الحق وطنى فى قول (لا أو نعم).. الاستباحة التى نشهد طرفًا منها كصراع الديكة المنفوشة مرفوضة وطنيا.
الاحترام مستوجب، ويجب أن يسود وفق القواعد المرعية.. الاحترام دستور غير مكتوب على الورق، ولكنه مستبطن فى الضمائر، وتعبر عنه العقول اتفاقًا أو اختلافًا.
يستوجب على من قالوا (نعم) إفساح الطريق دوما وفى المستقبل لاستصحاب من قالوا (لا) فى مسيرة قافلة الوطن، ويحمونها من الذئاب المتربصة، ويتيحونها بكل أريحية سياسية.. ومستوجب على من قالوا (لا) احترام أهلية ووطنية من قالوا (نعم) ويفقهون قولتهم ويستأنسون بأغلبيتهم، دفء الأقلية فى جبل الأغلبية على احترام قول (لا) بلا مزايدات وطنية يورث الكفر بـ(نعم).
الإساءات المتعمدة التى يكيلها نفر ممسوس على الجانبين لا تُستحب وطنيًا.. من يقُل (لا) لم يخن الأمانة، ومن يقُل (نعم) لم يفرط فى حق يعتقده.. التخوين على الجانبين يورثنا حزنًا.. آفة حارتنا التخوين.
التخوين كالعرق الدساس، لم نبرأ بعدْ من الأمراض السياسية المتوطنة والسارية، نحتاج عاجلا إلى مبادرة وطنية لاجتثاث هذه البذور الخبيثة من الأرض الطيبة.
أيًا كان حجم (لا)، ضرورة ليختمر الأمل فى فجر هذا الوطن.. وأيًا كان حجم (نعم)، ضرورة وطنية لدعم استقرار وطن يذهب إلى المستقبل على أرضية حوارية بين رؤى تختلف فى التفاصيل، ولكنها تيمم وجهها، ترنو نحو العلم والنشيد.
من قالوا (لا) ينشدون: بلادى بلادى بلادى، ومن قالوا (نعم) ينشدون: ولكِ حبى وفؤادى.. يجتمعان فى الأخير على حدود الوطن الشرقية منعة وتحصينا ودفاعا فى مواجهة مخطط التهجير والتوطين، يجتمعون جميعا على رِفعة أغلى اسم فى الوجود.