لماذا يمثل مشروع التهجير خطرًا على الأمن القومي المصري؟

في ظل الحديث المتزايد عن التهجير وإعادة التوطين، لا بد من العودة إلى جذور المخططات التي استهدفت سيناء تاريخيًا، والتي تكشف بوضوح كيف أن هذه الأرض لم تكن مجرد مساحة جغرافية، بل كانت دومًا محورًا للصراعات والمخططات الدولية. لفهم حقيقة ما يجري اليوم، علينا العودة إلى الوثائق التاريخية، وليس فقط التحليل السياسي.
المخططات التاريخية لانتزاع سيناء من مصر
في عام 1969، كشفت وثيقة من الأرشيف البريطاني عن مراسلات بين حكومة الاحتلال الإسرائيلي وبريطانيا، طلبت فيها تل أبيب دعمًا بريطانيًا لضم سيناء، بزعم أنها لم تكن جزءًا من مصر، بل أراضٍ عثمانية حتى عام 1923. اعتمد هذا الادعاء على أن سيناء جغرافيًا تقع ضمن قارة آسيا، وأن ترسيم الحدود الذي منحها لمصر كان نتيجة النفوذ البريطاني في معاهدة لوزان، وليس أمرًا طبيعيًا أو تاريخيًا.
لم تتوقف المحاولات عند هذا الحد، بل وصلت إلى مجلس العموم البريطاني، حيث قاد النائب “جون بيجز-دافيسون” حملة لطرح قضية سيناء أمام محكمة العدل الدولية، في محاولة لنزع شرعية السيادة المصرية عليها. كما جرت محاولات مماثلة في الولايات المتحدة وكندا، بهدف التأثير على الرأي العام العالمي وإقناع المجتمع الدولي بأن سيناء ليست مصرية.
داخليًا، كانت هناك محاولات لقلب ولاءات القبائل السيناوية على الحكومة المصرية، وهو ما تجسد في مؤتمر الحسنة الشهير، الذي حاولت خلاله إسرائيل استمالة بدو سيناء، لكنهم أفشلوا المخطط وأعلنوا ولاءهم لمصر.
بريطانيا ترد.. ولكن الشكوك مستمرة
رغم هذه المحاولات، جاء رد بريطانيا واضحًا: مصر لم تكن مستعمرة بريطانية، بل كانت تحت الحماية، وبالتالي لم تكن سيناء أرضًا متنازلًا عنها من بريطانيا، وإنما جزء لا يتجزأ من السيادة المصرية. لكن ذلك لم يمنع استمرار الجدل حول هوية سيناء.
في عام 1973، عاد وزير الدولة البريطاني “جوليان أميري” لطرح القضية مجددًا، مقترحًا تقسيم سيناء بين القوى التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية (بريطانيا، فرنسا، وإيطاليا)، مع إشراف إسرائيلي على المنطقة.
لماذا يريدون سيناء؟
الاحتلال الإسرائيلي هو كيان توسعي بطبيعته، ولا يعترف بحدود ثابتة. ومنذ سيطرته على سيناء عام 1967، بدأ في بناء المستوطنات، حيث أنشأ 51 مستوطنة، مثل مستوطنة “ياميت”، بهدف فرض الأمر الواقع وجعل سيناء امتدادًا له. ومع فشل ذلك المخطط بعد حرب 1973 واستعادة مصر للأرض، بدأ البحث عن استراتيجيات بديلة، مثل تحويل سيناء إلى منطقة حكم ذاتي بعيدًا عن السيادة المصرية، ليتم استخدامها كـ “وطن بديل” للفلسطينيين، ما يتيح للكيان التخلص من المشكلة السكانية الفلسطينية التي تؤرقه.
اليوم، مع تصاعد الضغط على مصر لتوطين سكان غزة في سيناء، تتكرر نفس المحاولات القديمة ولكن بآليات جديدة، مستندة إلى خلق واقع ديموغرافي جديد يغير خريطة المنطقة.
التهجير.. خطوة نحو تفكيك الأمن القومي المصري
توطين الفلسطينيين في سيناء تحت أي ذريعة سيؤدي إلى ضغوط دولية للاعتراف بهذا الكيان الجديد، ومن ثم تحويله إلى منطقة حكم ذاتي منزوع السلاح، وهو ما سيؤدي إلى:
1. فقدان مصر لعمقها الاستراتيجي: ستكون سيناء مجرد منطقة فاصلة بين مصر والاحتلال الإسرائيلي، ما يسهل اختراق الأمن القومي المصري ويجعل الحدود المصرية مكشوفة لأي تهديدات محتملة.
2. سيطرة الاحتلال على قناة السويس: بحجة ملاحقة “الخارجين عن القانون” في الكيان الجديد، قد يتذرع الاحتلال الإسرائيلي بالتدخل العسكري، ما يمنحه نفوذًا أكبر على الممر المائي الأكثر أهمية عالميًا.
3. ضرب الاقتصاد المصري: سيناء تمثل واجهة سياحية واستثمارية واعدة، لكن تحويلها إلى مسرح عمليات عسكرية، كما حدث في كردستان العراق، سيجعلها بيئة غير جاذبة للاستثمارات، ما يؤدي إلى انسحاب رؤوس الأموال وخلق أزمة اقتصادية عميقة.
4. ذريعة لتدخل القوات الأجنبية: مع وجود كيان غير مستقر في سيناء، سيصبح التدخل الدولي أمرًا حتميًا تحت ذريعة “حفظ السلام”، كما حدث في صنعاء ودمشق، وهو ما سيؤدي إلى تفكك السيادة المصرية تدريجيًا.
5. إضعاف الموقف العربي والإسلامي: بفرض واقع جديد في سيناء، ستتلاشى أي مطالبات بحل الدولتين، وستفقد مصر دورها المحوري في القضية الفلسطينية، مما يمنح الاحتلال الإسرائيلي سيطرة كاملة على المشهد.
المخططات لم تنتهِ.. والضغط مستمر
رغم أن حرب 1973 أفشلت هذه المخططات، وأجبرت الاحتلال الإسرائيلي على الانسحاب من سيناء، فإن السيناريو نفسه يتكرر اليوم، لكن بأساليب مختلفة، وبضغط أمريكي غير مسبوق لتنفيذ الخطة.
القبول بمشروع التهجير يعني أن مصر ستجد نفسها عاجزة عن حماية أرضها، وستفتح الباب أمام تدخلات دولية وإقليمية لا يمكن السيطرة عليها، وهو ما يشكل تهديدًا وجوديًا للأمن القومي المصري.
إذا كانت المخططات السابقة قد سقطت أمام الإرادة المصرية، فإن المخطط الحالي لن ينجح إلا إذا فُرض علينا من الداخل، وهو ما يستدعي وعيًا كاملًا بالمخاطر التي تحيط بنا، ورفض أي محاولات لانتزاع جزء من أرضنا تحت أي مسمى.