من اجمل الاكلات منذ ايام الطفولة والى الان اكلة المدقَّق، بصراحة انا كنت ومازلت حتى الان بموت في هذه الاكلة، فماذا تعرفون عنها؟!
وكان الناس عندما يشاهدون لحمة الفخذ لعجل بقري يتذكرونها في الحال، ويهمون إلى الشراء من هذه اللحمة البقرية وردية اللون بشكل مغري للنفس الذواقة أو للاكِّيلة.
فهل تذكرون طريقة عمل المدقَّق؟! طبعا ايام زمان قبل الكهرباء كان مدق الهون المعدني هو اداة المطبخ الأولى في عمل هذه الاكلة ، حيث يتم تقطيع لحمة الفخذ أو بيت اللوح قطعا صغيرة وتبدأ الام في طحنها دقا بالهون ، وبالطبع صوت الهون يعمل مولد في النجع كله ، حيث رنة المعدن مع الدق تجعل كل الناس يعرفون ماذا بداخل الهون؟
وكانت اللحمة الطازجة تنعم وتصبح عجينة لأنها لحمة عجل بقري بلدي وشباب ولا تحتمل الضربات بين سنابك الهون القوية.
وبعد الدق تخلط اللحمة بالثوم الوافر وتقلية البصل المحمر بعناية ، ثم يضاف اليها فريك القمح الأخضر المعتبر، والمسلوق نصف سلقة، ثم يتم الخلط جيدا ، وتقطع هذه الخلطة وكأنها اقراص طعمية، ثم يتم تحميرها بالسمن او الزيت لتتماسك ككتلة واحدة دون تفتت ، وكنا بعد هذا القلي لازم ندوق، إذ تكون هذه الأقراص بمثابة الكفتة الفاخرة، ناكلها حاف أو في ساندوتش نصف رغيف عيش شمسي حامي، بطعم خرافي حيث الثوم نصف الناضج مع الفريك والتقلية وكل واحد من هذه الثلاثة حكايتة حكاية.
ثم تترك أقراص اللحمة لتبرد، ثم ترص في البرام الفخار وتضاف اليها الشوربة المحترمة وتزق في الفرن البلدي، ولا تمكث طويلا في الفرن، اذ بعد قليل تقصر الشوربة وتنتفخ حبات الفريك ويصبح قرص اللحمة ملء الكف.
ويأتي موعد الاكل الساخن ففي الطبق الخاص بك يوضع قرص اللحمة في المنصف ويغرق بالدمعة المحيطة به، وعليك انت ان تغرق لقمة الرغيف الشمسي الطازج في هذه الدمعة وكُل وادعيلي، فانت هنا لا يمكنك التفريق بين جمال اللقمة المغموسة في الدمعة أو اللقمة الحاملة لقطع اللحمة بالفريك ، فكلاهما يجعلك في حالة نشوة وانبهار من هول هذا الجمال لهذه الاكلة الدسمة جدا، والتي تجعلك سلطان النائمين حيث بمجرد ان تضع جسمك على الفراش ترى نفسك دخلت في النوم في لحظات وتنام ليلتك ولا تتحرك حتى تستيقظ صباحا، وانت في أروع حالاتك، إذ اكلت ونمت وارتحت بحق، لان الصعايدة وحدهم يعرفون ان الاكل الدسم يقودك لنوم عميق حقيقي.
وانا حتى الان احب هذه الاكلة، إذ اشتري اللحمة المفرومة واضيف اليها الثوم وتقلية البصل والفريك والتوابل اللازمة، واقوم بنفس الخطوات ولكن الاختلاف الوحيد ان اللحمة المفرومة مستوردة ومجمدة والفريك مغشوش بالبرغل، .. والثوم والبصل دخل سراي هيئة الاستثمار والنفس لم تعد هي نفس النفس الذواقة لطعم زماااان بعد ان تكالب عليها الغشاشون وافقدونا حاسة التذوق والطعم.
وبالطبع، أثناء دق اللحمة البقري في الهون يتم دق قطع الدهن البقري معها، وبعض الدهن يتم اعداد الشوربة به، والفرن البلدي تجعل التسبيكة روعة.
ما أحلى ايام زماااان .
وما أجمل امهاتنا وهن يسوين الطعام بنفس محبة لاسرتهن.
وما الذ الطعم علي ألسنة قلب صاحبها رائق ونفوس هادئة، وامنيات بسيطة ، ولكن باحلام عرضها السموات والارض.